خاص هوى الشام من شذى حمود| يعد الشاعر السوري أنس الدغيم اسماً بارزاً في الشعر الحديث السوري، حيث جمع بين التأثيرات التراثية وقضايا العصر الحديث، وارتبط اسمه بالحراك الثقافي والسياسي بعد الثورة السورية.
المولد والنشأة
ولد أنس إبراهيم الدغيم في 8 يوليو 1979 ببلدة جرجناز في منطقة معرة النعمان بمحافظة إدلب، ونشأ في أسرة فلاحية متوسطة الحال ضمن عائلة كبيرة برز منها عدة شخصيات علمية وأدبية.
الدراسة والسيرة المهنية
درس مراحله الأولى في مدارس بلدته، ثم التحق بجامعة دمشق لدراسة الهندسة المدنية ثم انتقل للأردن حيث نال بكالوريوس الصيدلة من جامعة فيلادلفيا عام 2008
عمل بعد تخرجه في الصيدلة بسوريا، غادر سوريا عام 2011 خلال الأزمة السورية ليعود إلى مسقط رأسه. يُعد رئيس الهيئة التأسيسية لنقابة صيادلة سوريا ونشطاً رقمياً في دعم الثورة.
النشاط الأدبي والصحافي
بدأ كتابة الشعر في مرحلة الدراسة الثانوية، وبرزت قصائده السياسية والاجتماعية في المواقع العربية
شارك في مهرجانات أدبية داخلية وخارجية وحاز المركز الأول في مهرجان لقاء الأجيال الأدبي سنة 2010 عن قصيدة “أنس نامة.”
قام بتحكيم المسابقات الشعرية وشارك في فعاليات كثيرة ثقافية، ووقع عليه الاختيار لعضوية رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
أعماله الشعرية والمؤلفات
للشاعر أنس الدغيم العديد من الدواوين الشعرية والكتب والروايات حروف أمام النار 2002 – ديوان المنفى 2017 -ديوان الجودي 2021- إضافة الى كتاب 100 لافتة للحرية وكتاب 100 لافتة للحياة 2020 وكتاب سكر من الجاز 2020 وكتاب المجالس 2021 ورواية فلاسفة في الزنزانة 2.
تأثيراته الفكرية والأسلوبية
تأثر أنس الدغيم بالشاعر الباكستاني محمد إقبال، وقرأ لكبار الشعراء العرب مثل المتنبي، أبي تمام، أحمد شوقي، الجواهري، أبو القاسم الشابي، الفيتوري، الزبيري وبدوي الجبل.
يمزج في شعره بين التراث الكلاسيكي وقضايا معاصرة مثل آلام الهجرة وحروب سوريا، خصوصاً في ديوانه “المنفى” الذي يُعكس تجارب لاجئي الحرب الأهلية والهم الإنساني السوري.
نماذج من شعره واهتماماته
يكتب في أغراض سياسية وإنسانية، ويُعرف بكثرة استعمال مفردات الحرب والمقاومة والنضال في قصائده، وله قصائد في مديح الرسول والقدس ومسامرات أدبية مع شعراء آخرين.
مصادر إضافية
حساباته على منصات التواصل تعرض مقتطفات من أعماله ونشاطاته الثقافية المستمرة.
الثورة السورية، منذ عام 2011، شكلت نقطة تحول جذرية في مسيرة الشاعر أنس الدغيم، حيث انتقل من كتابة الشعر الوجداني والاجتماعي إلى قصائد المقاومة والحرية،وصار صوتا بارزا في التعبير عن الام السوريين وتطلعاتهم إلى الخلاص.
التحول إلى شعر الثورة والمنفى
اندلاع الثورة دفع أنس الدغيم إلى الانخراط الأدبي المباشر في توثيق معاناة الشعب السوري، فنشطت قصائده في تصوير آلام الحرب والهجرة واللجوء، وأبرز ذلك في ديوانه “المنفى” الذي أصبح نموذجاً لما يعيشه السوريون من غربة وجراح.
ازدادت كثافة حضور المفردات المرتبطة بالحرب والمقاومة في شعره، وصار يستخدم السيف والقتل والسجون كرموز شعرية تعكس الواقع المأساوي الذي عاشه وعايشه السوريون.
الحرية وانفتاح الإبداع
ويرى الشاعر أنس الدغيم أن الثورة السورية حررت أصوات الشعراء بعد سنوات من الكبت، ووسعت مخزون التصوير الإبداعي لديه، إذ صار يكتب ويعبر بحرية عن مشاهدات جديدة لم يكن يستطيع التطرق إليها قبل الأحداث؛ فانعكس ذلك في شكل ومضمون قصائده وأصبحت أكثر التصاقاً بقضايا الناس وهمومهم اليومية.
المشاركة المجتمعية والتأثير الإعلامي
مع الهجرة إلى تركيا، استمر في المشاركة بمسيرات الثورة عبر الكلمة والمنصات الثقافية، وبرز كمدافع عن الحرية وكاتب يحمل هموم السوريين أينما حل.
وازدادت أهمية دوره الثقافي عبر تفعيله النشاطات الشعرية والتواصل مع جمهور الشتات السوري من خلال الأمسيات والفعاليات، إضافة إلى منصات التواصل الاجتماعي التي قربت المسافة بينه وبين قضايا أبناء بلده.
جوهر تجربته ودوافع الكتابة
صرّح أن الألم كان القوة الدافعة لكتابة شعره بعد الأحداث المفصلية بسوريا، وصارت المعاناة والتحديات مصدر إلهام يثري تجربته الإبداعية، دون أن يغيب عن شعره الأمل باعتباره عنصراً مكملاً للصورة الكلية لمسيرته الأدبية المعاصرة.
تعكس أعمال أنس الدغيم تطورات الثورة السورية في مضامينها ومراحلها، من خلال تحولات في لغة القصيدة وموضوعاتها، وارتباط نصوصه بآلام السوريين وتطلعاتهم للحرية.
تطور صورة الثورة في شعره
في بدايات الثورة ظهرت قصائد أنس الدغيم كأصوات احتجاج على الظلم وكلمات تحرر من الخوف، وتناولت قضايا الوطن والمقاومة مباشرة، مثل ديوانه “حروف أمام النار” الذي ركز على المواجهة والجراح.
تعبّر نصوصه عن أجواء التحدي الشعبي، كقصيدة “لم يبق غيرك في الميدان يا خلفُ”، التي ترمز إلى صمود الناس في ميادين الثورة وتضحياتهم في مواجهة الطغيان.
وصف المنفى والهجرة
مع تطور الأحداث وانتشار المنفى بين السوريين، هيمنت فكرة الغربة والانكسار على قصائد الدغيم، كما في ديوانه “المنفى” الذي جسد معاناة المهجرين واللاجئين وحالة النزوح الجماعي.
انتقل شعره من خطاب الثورة المباشر إلى استلهام الذاكرة الجماعية وهموم المنفى، فصار يستعيد تفاصيل الحياة والمشاهد الإنسانية الحزينة ضمن النص الشعري.
تفاعل مع الأحداث المفصلية
وثّق الشاعر من خلال أعماله مشاهد شهداء الثورة وصمود المدن السورية مثل حمص وحلب، وجسّد رمزية المدن المفتوحة على الحرية، واستخدم سير الصحابة والعظام في التاريخ كرموز للأمل والتغيير.
مساحة الحرية والتعبير
فتحت الثورة باب التعبير للكتابة الحرة، فانتقل أنس الدغيم من قيود الرقابة والأسلوب الحذر إلى القصيدة الجريئة، كما عبر بأنه كتب باسم القضبان على السجان، وأن الكلمات الخائفة بلا مستقبل في عالم الأفكار.
بذلك تظهر أعمال الدغيم كمرآة عاكسة لتحولات الثورة السورية، من التفاؤل الأول إلى النزف الجماعي والحنين للماضي، وتستمر في توثيق تجربة السوريين عبر الشعر المقاوم والمنحاز لهموم الإنسان.
يعبر أنس الدغيم عن الصمود في قصائده من خلال صور الجندي البسيط الذي يبقى في الميدان، واستحضار رموز التضحية والثبات أمام الطغيان، ويبرز ذلك في قصيدته “لم يبق غيرك في الميدان يا خلفُ”، حيث يحتفي بكل من صمد من السوريين رغم الخذلان والمحنة.
صور الصمود في الشعر
يوظف الدغيم خطاب المقاومة ويمجّد الاستمرار في مواجهة الظلم، كما يقول: “نحن الذين نظمنا الشعر لا نقف”، في تعبير عن رفض الانكسار والاستسلام مهما اشتدت المحن.
يستحضر التضحية الجماعية في صور شعبية مرتبطة بسوريا وأهلها، ويربط الصمود بقيم العز والشرف الأصيلة، كما يرد في القصيدة .
بهذا الأسلوب يتماهي شعر انس الدغيم بين وجدان الإنسان وقوة التاريخ فتتجسد في مشاعر الشعر وتتحول إلى طاقة حرة تدفع للتحدي والصمود .


