تحديات العلاقات الاجتماعية في العصر الحديث

0
66
العلاقات الاجتماعية في العصر الحديث

هوى الشام من وسام شغري| قديمًا كانت العائلة كلها تجتمع في بيت الجد في سهرات لا تخلو من الألفة والمحبة، من منا لم يعشق تلك التفاصيل ويدمنها.. لطالما أسرتنا حكايا الجدات وجذبتنا نصائح الآباء.. ولهونا بكرة الصوف التي تتدحرج من حضن الأمهات.. تسامرنا حول المدفأة شتاءً وتحت ضوء القمر صيفًا، وكأس الشاي الساخن يبعث دفئًا يغمر حنايا القلوب.
لكن مع تطور المجتمعات ودخول التكنولوجيا إلى عالمنا تلاشت العلاقات، وانحسرت في شاشة صغيرة أدمناها، وباتت خيارنا المفضل، بعد أن تفرّقتْ العائلات وهُجرتْ واندثرتْ أحلامها.
وللحديث عن هذا الموضوع كان لهوى الشام لقاءٌ مع الدكتورة مي العربيد دكتوراه في الصحة النفسية، حيث قالتْ: اليوم نحن نتحدّث عن تحديات العلاقات بشكل عام في ضوء العولمة والذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي التي أدمن الجميع عليها، وكأنّنا نقوم بعلاقة وهمية مع الشخص القابع خلف الشاشة، لدرجةِ أنّنا أصبحنا نفتقد الذكاء الاجتماعيّ الذي يتولَّد من الاحتكاك بالآخر، وهذا الآخر ربما يكون زوجًا أو صديقًا أو أخًا أو أحد الوالدين. وبهذا فإنّ وسائل التواصل والذكاء الاصطناعي جعلتنا نفقد المهارات الاجتماعيّة أي لا نتمكّن من التواصل الصحيح مع الآخر؛ إذ ترى أنّه يمكن أن تُرسَل رسالة عبر تطبيق الواتساب بين شخصين في المنزل نفسه. وهذا تحدٍ كبيرٌ يواجه الجيل، فعندما ينمو المراهق أو الشاب في جو تنقصه المهارات الاجتماعية والذكاء العاطفي والوجداني فكيف يمكنه التواصل مستقبلًا والانخراط في المجتمع.
وعن الخطر الذي يحيط بالعلاقات جرّاء هذا التطورات الحاصلة في التكنولوجيا ووسائل التواصل تقول الدكتورة العربيد: “برأيي، إن ناقوس الخطر يدقّ عندما يعتمد المرء -سواء أكان مراهقًا أم بالغًا- اعتمادًا كاملًا على هذا الجهاز المحمول، فمع هذا التطور السريع لا نستطيع أن نقف ونجابه لأنّ الموجة ستجرفنا، لكن يمكننا أن نكبح أنفسنا من الانجراف الكامل وإلغاء التواصل الاجتماعي مع الآخر، فعندما أكتفي بالشاشة للتعامل الاجتماعي والإنساني فأنا هنا أمام ناقوس خطر، فهذا التعلّق سيؤدي حتمًا إلى الإدمان الذي يمنعني من إقامة علاقات اجتماعية على كل المستويات”.
وتشير العربيد إلى أن الحياة اختلفتْ عن السابق، فقد كانت التجمعات والمشاركات الاجتماعية موجودة بكثافة، أما الآن فالجميع استعاض عن هذا الموضوع بتلك الشاشة، بوسائل تواصل مختلفة “واتس وفيس وأنستغرام” لساعاتٍ طويلةٍ، ما أدى إلى إلغاء طبيعة العلاقات، ورويدًا رويدًا استشرى الموضوع وبات وسيلةً للتفريغ بدلًا من تجاذب الحديث من خلال التجمّعات، لدرجة أننا يمكن أن نقول إنه التغى، فابتعدنا عن أنفسنا وعن الآخرين واكتفينا بمتابعة وسائل التواصل.
الحلُّ في نظر الدكتورة العربيد يكمن بأن نراقب أبناءنا؛ لكيلا يعتمدوا على الأجهزة الحديثة اعتمادًا كليًا، لكن في الوقت نفسه لا يمكن إلغاؤها، إنما نستطيع أن نحدّد ساعاتٍ للجلوس أمام الشاشة مع مراقبة وتوجيه استخدام هذه المحمول بطريقة لا تلغي الصداقات والعلاقات الاجتماعية، وأيضًا مع وعي من الأهل والأبناء على حدٍّ سواء تجاه هذه الآلة لاستخدامها بطريقة صحيحة، وخاصة ما يتعلّق بالعلاقات الاجتماعية. ويمكن أن أوجه ابني إلى نشاطاتٍ اجتماعيّةٍ، كأن يلتزم بنادٍ معيّن وبأيّ اختصاص يرغب به، بما ينمّي مهاراته الاجتماعيّة وينسيه هذا الجهاز”.
وختمت الدكتورة العربيد حديثها بأنه لا يمكن لأحد إلغاء الوجود البشري مهما توصل العالم لدرجة هائلة من التطور والتكنولوجيا، فلا يمكن إلغاء وجودي مع الآخر فيزيائيًا؛ إذ إنّ قلّة التواصل مع الآخر تسبّب اضطراباتٍ مختلفةً؛ لأن أزمة الوجود والإحساس بالآخر تتدفق بسبب الشاشة أو التواصل من خلالها.
وللجانب الاجتماعي رأي في هذا الموضوع، حيث قالت هبة أبو الخير ماجستير إرشاد اجتماعي: بداية سأتكلم عن وسائل التواصل الحديثة التي جعلتِ التواصل الاجتماعي أسهل إلى حدٍّ ما، وبالوقت نفسه جعلتنا أمام تحدياتٍ اجتماعيةٍ جديدةٍ، فقديماً كنا نتواصل وجهًا لوجه، ونسمع نبرة الصوت، ونتأمل الملامح، ونراقب الحركات، ونحس بالمشاعر، اليوم بات تواصلنا عبر شاشات صغيرة، وربما عبر رسائل سريعة وفورية، وبهذا التواصل الذي يمكن أن نقول عنه إنّه عن بعد حُرمنا من المشاعر التي يمكن أن نتلّقاها ومن الرابط الاجتماعي الحقيقي”.
وعن دور الهاتف الذكي في مجتمعاتنا، قالت أبو الخير: “بوجود الهاتف الذكي ننسى أن نعيش اللحظة، حتى إننا نشعر بالضياع من عدم وجوده، وعندما نفتح على أي تطبيق نسرد لساعات وننسى أنفسنا ومن حولنا. إنه قربنا من البعيد، ولكنها أيضًا أبعدنا عن القريب”.
وعن تأثير التطور التكنولوجي في القيم والعلاقات، تقول أبو الخير: “تأثير التطور واضح فلم يعد هناك خصوصية، أصبح العالم قرية صغيرة، وانتشرت الصور وانتشرت الأفكار، فيمكننا أن نقول إننا انفتحنا على عوالم جديدة، فلم يعد اهتمامنا منصبًّا على ما يجري حولنا، بل انفتحنا على العالم الخارجي، وأصبحنا نهتمُّ بقضايا عالمية على حساب قضايا شخصية وعائلية”.
وتضيف أبو الخير: “إن للعولمة والتطور التكنولوجي ووسائل التواصل فوائد إذا نظرنا إليها من باب إيجابيّ؛ من خلال الاستخدام الواعي عبر التواصل مع المقربين، أو من خلال تعلّم أشياء مفيدة كاللغات، وربما نقرأ معلومة، ونشاهد فيديوهات تحفيزية، أو نؤمِّن فرص عمل، وكل ذلك يكون من خلال تحديد وقت لاستخدام التكنولوجيا لنعود إلى الدفء الإنساني الذي افتقدناه، فقد وصلنا إلى مرحلة متقدّمة من العزلة الاجتماعية”.
التطور التكنولوجي له تأثير كبير في العلاقات الاجتماعية، وبأيدينا يمكن أن نجعله تأثيرًا إيجابيًا من خلال الوعي وعدم الانجرار والتركيز على إقامة علاقات صحيحة وسليمة وبنّاءة، فنحن بشر والإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يضيره العيش منعزلًا ويؤنسه وجود الناس من حوله.

((  تابعنا على الفيسبوك   –  تابعنا على تلغرام   –   تابعنا على انستغرام  –  تابعنا على تويتر ))

لا يوجد تعليقات