الرئيسيةالفنون السبعةدار الفكر.. مسيرة ستة عقود من الثقافة والالتزام

دار الفكر.. مسيرة ستة عقود من الثقافة والالتزام

خاص هوى الشام من مرام القباقلي| في عالم المعرفة الذي لا يتوقف عن التطور والتحول، تظل دار الفكر واحدة من أبرز المؤسسات الثقافية في سوريا والعالم العربي، لما ترتبط به من رسالة راسخة في تعزيز الفكر ونشر الوعي ودعم حرية النشر والإبداع.

ويفتتح الأستاذ وحيد تاجا، مدير القسم الإعلامي، والدكتور نزار أباظة، مدير قسم النشر، أبواب الماضي العريق والتطلعات المستقبلية الحافلة في حوار خاص مع هوى الشام

الأستاذ وحيد تاجا تحدث عن رؤية الدار لـ هوى الشاموحيد تاجا

ما هي الرؤية التي انطلقت منها دار الفكر في تأسيسها، وما الرسالة التي تسعى لتحقيقها؟

دار الفكر تأسست برؤية تتجاوز حدود النشر التقليدي، لتكون مؤسسة ثقافية حيوية تلتزم بالحوار والتجديد، وتحرص على التواصل مع القارئ، مع احترام الحقوق الفكرية ورعاية ثقافة الأطفال، ونشر كتب نافعة لجميع الأعمار والشرائح ، واسم “دار الفكر” يعكس التزامًا بخدمة الفكر بأبعاده الشاملة، عبر استقطاب كبار المفكرين العرب ونشر أعمالهم. نطمح لأن تكون الدار عينًا على الماضي ومستقبلاً، تختار منشوراتها وفق معايير الإبداع والعلم والحاجة والمستقبل، وتنبذ التقليد والتكرار. شعارنا الدائم: “افعل الممكن إلى أقصى حد ممكن”. وأضاف: منذ عام 2000 أطلقنا تقليدا سنويا للاحتفاء باليوم العالمي للكتاب عبر أسبوع ثقافي يجمع شخصيات فكرية عربية ودولية.

كيف كان دور محمد عدنان سالم في توسعة نشاط دار الفكر محلياً وخارجياً؟

الأستاذ محمد عدنان سالم كان له دور بارز في قيادة توسعة الدار محليا وخارجيا، إذ قاد الإدارة وتابع أعمال النشر، وأسهم في تصدير الإنتاج الفكري واستيراد الكتب للسوق المحلي وكان داعما لمشاريع فكرية ضخمة مثل إحياء تراث مالك بن نبي، إصدار موسوعة الفقه الإسلامي، إطلاق سلسلة الأطالس، ودعم سلسلة “رسول الإنسانية”، إضافة لمسابقات القراءة والإبداع، وأما الأستاذ محمد الزعبي فمثل الدار في عدة بلاد عربية وأشرف على فرع للمراجع، فيما تولى الأستاذ أحمد الزعبي إدارة المكتبة، ما عزز استقرار بنيتها.

ما هي المجالات الأساسية التي تركز عليها دار الفكر في نشر الكتب؟ وهل هناك اهتمام خاص باللغة العربية والتراث؟

دار الفكر منفتحة على كل أنواع المعارف للكبار والصغار، وتشجع نشر الكتب التي تدعم ثقافة حرة وصحيحة. نشرت سلسلة “حوارات لقرن جديد” التي جمعت مفكرين من مذاهب واتجاهات مختلفة، لتكون منصة تغني العقل العربي بحوارات بين الفكر والدين والسياسة والمرأة والحضارات، وصدرت بالعربية والإنجليزية.
أما التراث، فنحن لا نُقَدّسه وإنما نُقدّره ونحض على نقاده وتحليله وإعادة تركيبه ليواكب العصر، لأن تقديسه يعني تجميد الفكر وتعطيل الحركة الثقافيةو نؤمن بأن التراث جهد متراكب متنوع ويجب التفاعل معه بوعي.

كيف تعالج الدار حقوق الملكية الفكرية، وهل تدعم المؤلفين الجدد؟

نأخذ حقوق الملكية الفكرية بجدية تامة، وكنّا من الأوائل الداعين لاحترامها في سوريا، وأصدرنا مؤلفات متخصصة وأطلقنا نشرة “بالمرصاد” للتوعية، ولكن المشكلة في الأساس ثقافة المجتمع، والقوانين وحدها لا تكفي، لذلك ندعو لتشكيل مجلس وطني يعزز احترام الحقوق ، كما نوفر بيئة تحريرية تدعم المؤلفين الجدد وتحمي حقوقهم، لأن حماية الفكر تبدأ بدعم المبدعين.

ما هي خطط الدار المستقبلية للتوسع الرقمي والتجارة الإلكترونية؟

نؤمن بأن الكتاب تحوّل رقمي لا مفر منه، ونركز على رقمنة الأرشيف، توفير الإصدارات الإلكترونية، وتطوير منصات رقمية سهلة للوصول داخل سوريا وخارجها، ونحرص على بناء تجربة رقمية تواكب احتياجات الأجيال الشابة، مع الالتزام بحماية الملكية الفكرية ودعم الكتّاب الجدد.

كيف ترى دار الفكر دورها بعد التحرير وحرية النشر دون رقابة؟

هذه فرصة تاريخية لإعادة بناء المشهد الثقافي على قيم الحرية والمسؤولية معا، فالحرية ليست فقط غياب المنع بل إنتاج محتوى يرفع الوعي ويعزز قيم الحوار والانفتاح ، ونهدف لأن نكون منبرا مفتوحا للأصوات الجديدة دون اختناق، مع الحفاظ على الجودة والالتزام الأخلاقي، وإطلاق مشاريع نشر جريئة تعكس هموم المجتمع وتطلعاته.

ينتقل الحوار إلى الجانب الإداري والتاريخي مع الدكتور نزار أباظة، مدير قسم النشر، ليكمل صورة الدار من بداياتها إلى اليوم.

نزار أباظة

 متى تأسست دار الفكر، وكيف بدأت الرحلة في عالم النشر؟

تأسست دار الفكر في دمشق عام 1957 على يد محمد عدنان سالم ومحمد وأحمد الزعبي، الذين حملوا رسالة النشر كوسيلة للارتقاء الثقافي. ابتدأنا بخدمة طلاب الجامعة عبر مطبعة يدوية، ثم تحولت إلى صالة عرض قبل أن تتبلور إلى دار نشر متكاملة بدعم المفكر التونسي محمد محيي الدين القليبي، الذي اقترح عنوان أول كتاب لنا: “الاستعمار الفرنسي في إفريقيا السوداء”.

كيف ساهم التوسع إلى السودان واليمن والجزائر والقاهرة في تعزيز الدور الثقافي للدار؟

كان التوسع تجسيدا لرؤيتنا ببناء نهضة ثقافية عربية شاملة، بعيدا عن مجرد التوسع التجاري. فتحنا مكاتب في تلك الدول، وسلمناها لإدارة شركاء محليين إيمانا بالشراكة الثقافية لا الاحتكار، ونؤمن بالتوازن بين التجارة والثقافة دون أن يطغى أي جانب على الآخر.

ما أبرز التحديات التي واجهتها الدار في ظل الظروف السياسية والاقتصادية بسوريا؟

واجهنا مضايقات خلال حكم البعث، خاصةً اعتقال مؤسسها محمد عدنان سالم عام 1965، وتأميم الكتب الجامعية الذي قلل من دعم التعليم الحر، ثم خسائر كبيرة خلال الثورة السورية من حرق مستودعات وهجرة كوادر، إضافة لتأثير جائحة كورونا والحصار الاقتصادي، كما تعرضت الدار أيضاً لتضييقات وزارة الإعلام ومنع طباعة واستيراد بعض الكتب، مع تراجع الاهتمام الشبابي بالقراءة، ورغم ذلك استمرينا في دعم الثقافة.

كيف طورت الدار طرق الطباعة؟

لدينا مطبعة خاصة منذ البداية منحتنا استقلالية ومرونة. مع تقدم الزمن، انتقلنا من الصف التصويري التقليدي إلى الصف الحاسوبي وطورنا آلاتنا وفق المعايير الحديثة، لأن التحديث المستمر جزء من فلسفتنا للحفاظ على الجودة.

كيف تحافظ دار الفكر على جودة التدقيق اللغوي والتخطيط التحريري؟

نحرص على أعلى معايير الجودة، فلا يُطرح أي كتاب إلا بعد مراجعات لغوية دقيقة وتصحيح شامل، لأن الأخطاء تؤثر سلباً على الرسالة الثقافية. نتحمل أعباء مالية وتأخيرات في المواعيد أحيانًا حفاظًا على الجودة، كما أطلقنا دورات تدريب منتظمة لتأهيل الكوادر الشابة ودعم تطوير أدوات التحرير.

مقالات ذات صلة