هوى الشام| دفء الغائب قراءة في قصيدتين للشاعر محمد خالد الخضر في رثاء أخيه والشاعرة نبوغ محمد أسعد في رثاء ابن خالتها..بقلم: علي عبد الوهاب الجاسم
…
مرّ عام كامل، لكن في قلبها لم تمرّ لحظة واحدة دون أن تشعر به…
كانت “نبوغ” تقف في زاوية البيت، حيث اعتاد حسين أن يجلس شتاءً، يمازحهم بصوته الدافئ، ويمدّ يده الحنونة ليصلح شرخًا في الحائط الجديد، وكأنّه يرمّم ما هو أعمق: خوف الأيام، ووحشة الغياب.
في الذكرى السنوية الأولى لرحيله، جلست نبوغ تحمل صورة قديمة له، فيها يبتسم بتلك الطيبة التي كانت تملأ البيت أمانًا.
فتدفّقت الكلمات من قلبها الموجوع، لا لتكتب، بل لتبكي بصمتها:
“أنا يا شقيق الروح أذكر دائمًا / طيبًا تركت عبيره بمكاني…”
لم تكن قصيدة فحسب، بل كانت أنين امرأة اختبرت الفقد كما لو أنه قطعة من نفسها قد غابت.
وفي اليوم ذاته، كان زوجها، الشاعر، يحمل قلمه بصمت. لم يكن بحاجة للبحث عن الإلهام، فالحزن حاضر، والذكرى نار لم تخمد.
كتب يقول:
“أوجعتني وأنا على مرأى الجميع أموت / وقطار فرحتنا الحزين يفوت…”
وكأنّه يحادث روح حسين، لا بالقصيدة، بل بما تبقّى في القلب من دفء وحنين.
في الصباح قرأت كلماته، فغمرني التأثر، وكتبت تعليقاً فيه مشاعر الحزن والعزاء
فأتاني رده، وجاء بسيطاً حدّ الألم:
“بالرغم من قدرتي، عاجزاً عن الرد عليك.”
وكان في هذه الجملة كل الشعر، وكل العجز أمام الوفاء حين يُكتب بدم القلم.
في ذلك اليوم، شعرت أن حسين لم يرحل، بل تغيّر مكانه فقط.
لم يعد بينهم جسدًا، بل ظلًّا حنونًا، يجيء في الشتاء دفئًا،
وفي القصائد نورًا،
وفي القلب دعاءً لا يذبل.