هوى الشام

فقدت دمشق صباح الأحد الماضي إحدى أوائل الطبيبات السوريات في مجال طب الأطفال الدكتورة وحيدة العظمة.

وتمتلك الطبيبة السورية سيرة حافلة بالعمل والانجاز والتميز فهي الملازم أول .. أول طبيبة أطفال في الجيش العربي السوري ابنة لأسرتين من أعرق الأسر الدمشقية أبوها ضابط من أسرة العظمة الذين تولى عدد كبير من أفرادها مناصب كبيرة أثناء الاحتلال العثماني وأمها تنحدر من أسرة المارديني الذين عرفوا بالميل إلى الانفتاح وحب الثقافة.

كانت جدتها لأمها شيدت من مالها الخاص مبناً في ساحة المرجة افتتح فيه فيما بعد مسرحاً و قدم في أربعينيات القرن العشرين عروضاً مسرحية ليتحول إلى صالة عرض لاحقاً باسم سينما غازي.

كانت وحيدة العظمة تطمح بأن تكون كاتبة أو عالمة نظراً لحبها للأدب وتفوقها بالعلوم إلا أن آمالها خابت عند بوابة الجامعة السورية التي اقتصرت مدرجاتها على مدرستي الطب والحقوق أو كان عليها الالتحاق بمدرسة المعلمات والعمل في سلك التربية والتعليم آثرت اختيار مدرسة الطب حيث سبقتها إليها عدة من بنات جيلها.

وفي حديث سابق قالت الدكتورة العظمة : استغرقت دراسة الطب سبع سنوات في مرحلتيه الأولى النظرية والثانية السريرية وكانت قاعات التدريس تقع في التكية السليمانية وذكرت من أساتذتها الأساتذة مرشد الخاطر، نظمي القباني، حمدي الخياط، شوكت الشطي وحسني السبح.

ومن الصيادلة الأساتذة عبد الوهاب القنواتي وكان هؤلاء الرواد ممن أشرفوا في بداية القرن الماضي على المعهد الطبي

تخرجت العظمة من كلية الطب في دمشق عام 1949 تحمل شهادة الدكتوراه في الطب.
وكانت قد ترددت خلال الحرب العربية مع كيان الاحتلال الصهيوني عام 1948 على مستشفى المزة العسكري لمعالجة الجرحى الوافدين إليه، وتصادف وجودها مع إعلان قيادة الجيش العربي عن مسابقة لقبول أطباء عسكريين.

فتقدمت لهذه المسابقة وعُينَت بوظيفة طبيبة برتبة ملازم أول في الجيش العربي السوري لتكون الثانية بين بنات جنسها التي تقتحم هذا المجال بعد المناضلة نازك العابد وكان ذلك عام1950.

أوُفدت في العام التالي من قبل قيادة الجيش إلى فرنسا للتخصص في طب الأطفال، إلا أنها لم تكن طبيبة عادية بل كانت طالبة استثنائية طموحة تابعت دروس السريريات في مشافي الأطفال الجامعية والعسكرية بشغف وتشبّعت بالديمقراطية العلمية الصحيحة من خلال مراقبتها لمحيطها الذي تعايشت معه، ونقلته إلى بلادها بعد عودتها من الإيفاد.

حصلت الدكتورة العظمة على شهادة اختصاص في طب الأطفال من جامعة باريس و في مرحلة لاحقة حصلت على شهادة اختصاص في طب الأطفال الاجتماعي من المركز الدولي للطفولة في باريس، وعملت بعد عودتها من فرنسا في مستوصفات وزارة الدفاع السورية كرئيسة أطباء وطبيبة أطفال، لتقول عن ذلك :
ثلاثون عاماً من العمل أتاحت للعظمة الفرصة لفحص مئات الألوف من الأطفال والتعرف على مشاكلهم ومنهم من يتذكرها حتى اليوم بمزيد من الحب والمودة.
أسهمت في تأسيس جمعية أطباء الأطفال السورية وشغلت منصب أمانة السر فيها لعدد من الدورات.

كذلك كانت عضو في هيئة تحرير المجلة الطبية السورية الصادرة عن نقابة الأطباء السوريين لمدة لاتقل عن ربع قرن، شاركت في تحرير مجلة الطبيب الصادرة في باريس باللغة العربية لخمس سنوات.

أسهمت الدكتورة وحيدة العظمة بتأسيس جمعية تنظيم الأسرة التي أعلن عنها عام 1974، شغلت عضويتها، كمتطوعة لمدة تقارب الخمس والعشرين عاماً، وتم انتخابها عضواً في اللجنة التنفيذية لإقليم العالم العربي في الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة.

قدمت عام 2000 بطلب إحالتها على التقاعد من فرع دمشق في نقابة الأطباء السورية بعد أن أغلقت عيادتها الخاصة التي استقبلت فيها مئات الألوف من الأطفال وعالجت فيها الخدج.

كرمت من قبل السيدة الأولى في عام /2003/ ضمن من كرموا لتفانيهم في خدمة الوطن والأسرة
بمناسبة التكريم قالت الدكتورة وحيدة: لا أعتبر التكريم شخصياً وإنما هو رمز لتكريم أجيال من نساء كسرن قيوداً كثيرة وتمردن على عادات وتقاليد موروثة، في مجتمع ذكوري راكد.

من خلال المشاركة بالحياة العامة مع المحافظة على حرمة الأسرة، أنا فرحة لازدياد عدد المتعلمات ودخول المرأة مجالات عدة وبلوغها مناصب إدارية مهمة ومشاركتها في الحياة السياسية في الدولة

تزوجت الدكتورة وحيدة في عام /1953/ من أحد زملائها الأطباء وسافرت معه إلى المملكة العربية السعودية وبقيت هناك لمدة عام ونصف تعمل كطبيبة رافقت زوجها لحين مرضه المفاجئ ووفاته عام /1956/، فعادت إلى دمشق وهي تحمل طفل هو ابنها الوحيد ويعمل كطبيب في الولايات المتحدة الأمريكية.