الرئيسيةالفنون السبعة"على الحافة" يحصد أول تنويه في طنجة.. رشا ملحم لـ هوى الشام:...

“على الحافة” يحصد أول تنويه في طنجة.. رشا ملحم لـ هوى الشام: الفيلم انتقاد للمسلمات وأتمنى وصوله لجمهور أوسع

خاص هوى الشام من شذى حمود| استطاعت الكاتبة والمخرجة رشا ملحم من حصد أول جائزة لفيلمها القصير “على الحافة” بحصوله على تنويه خاص من لجنة تحكيم مهرجان طنجة في المغرب. الفيلم الذي يشارك للمرة الأولى في مهرجانات المغرب والجزائر تراهن عليه المخرجة ملحم بأن يحظى بإعجاب الجمهور العربي والعالمي لما يحمله من مضامين ورسائل إنسانية عميقة وخاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة السورية وكان لـ هوى الشام الحوار التالي عنه:

حول الفكرة والقصة من أين جاءت فكرة فيلم “على الحافة”؟ وهل استوحت الحكاية من تجربة شخصية أو من واقع اجتماعي محدد؟

تيمة التغيير وانتقاد المسَلّمات المجتمعية تشغل بالي دائماً لذلك كنت قد احتفظت لنفسي بفكرة ساخرة على هاتفي تتناول هذا الأمر، وعندما أصبح بين يدي مشروع صناعة فيلم سارعت إلى العمل عليها ولكن لم تأخذ سياقاً ساخراً في الفيلم. برأيي، المجتمع العربي عموماً مثقل بالغيبيات. وما يراه البعض قوى خارقة ترقى إلى المعجزات يراه آخرون خرافات والعكس صحيح ولكن النتيجة: الركون إلى غيبيات مؤزرة من المجتمع قد يكون لها أثر مباشر في تقرير مصير أفراد المجتمع، وإذا كانت هذه الحافة أسطورة أو معجزة أو خرافة، فما هي إلا نموذج يحاكي الكثير غيرها في موروثنا. على سبيل المثال: في بعض المناطق في سوريا هناك ما يسمى بالـ “بَشْعة”: وهو سكين مسخّن على النار يمرره أحد وجهاء القبيلة بسرعة خاطفة على لسان المتّهم بالكذب، إذا احترق اللسان فهو مدان وإن لم يحترق فإنه بريء. والتفسير المنطقي لذلك ربما أن الكاذب يجف لعابه بسبب التوتر فيحترق اللسان أما الصادق فيبقى فمه رطباً. إذن، هذه لعبة نفسية وليست معجزة.

رشا ملحم على الحافة

ما الذي دفعكِ إلى اختيار موضوع يتناول الطقوس الغريبة بهذا الرمز البصري القوي (المشي على الحافة)؟ كيف تفسرين المشهد الرمزي لسير الفتاة معصوبة العينين واجتيازها الحافة؟

خيالنا يكتنز بما نتلقاه ونعايشه. فكرة الحافة تخيلية ولكنها تنسجم مع المدخلات التي استقبلتها من مفاهيم وقصص فلن تخطر الحافة على بالي من العدم: لدينا في موروثنا محاكم شعبية وخطوط مستقيمة ودروب من الآلام وغيرها. وأضيف إلى ذلك شرطية تنفيذ الفكرة: أحتاج إلى وجود مكان “مقدس” بالنسبة لمجتمع ما، يتخلله صعوبات حتى تواجه البطلة تحديات، فوجدت ضالتي في التعرجات على الحافة وتفاوت علوّها. أما تعصيب العينين فهو يحيلنا إلى المحاكم الشعبية، كما أنه يحمل دلالة حول مفهوم الإيمان، فالإيمان أعمى لا يحتمل تأويل – إما أن يوجد أو لا. وبالنسبة لمحكمة الحافة فهي تبتّ بأمر المتهم: إما صادق أو كاذب. والصادق بحسب هذا المجتمع المفترض لديه يقين بقوة الحافة الخارقة.

وكذلك، فإن تعصيب العيون يعطي شعوراً بالتوتر ويجعل المتهم بحالة ضعف كما أنه يخلف انطباعاً عند المشاهدين يحيلهم إلى المحاكم سيئة الصيت وقت تنفيذ الإعدامات. من جهة ثانية، الطقس الغريب يشكّل حاجة درامية تثير الدهشة عند المشاهدين. لا يجب إغفال عنصر المتعة والتشويق من الأفلام برأيي، فالفيلم القصير لا يعني بالضرورة الإيقاع البطيء والأجواء المبهمة والرموز المتشابكة. أعتقد أن شرطا الفهم والمتعة يجب أن يتحققا بالدرجة الأولى، ومن ثم بإمكان الفيلم أن يتيح مستوى مواز أكثر عمقا في الفهم بحيث لا يتضارب المستويان، فتزداد متعة المتلقي كلما اكتشف المزيد من الدلالات.

المخرجة رشا ملحم فيلم على الحافة

ما الرسالة التي أردتِ إيصالها من خلاله؟ حول دور المرأة والحقوق

بنيوياً، المرأة لا تقارن بالرجل، لذا تلجأ إلى السياسة وإعمال الذكاء. الحيلة أقوى من العضلات في كثير من المواقف. أما بخصوص الرموز المستخدمة في الفيلم (سلاح البطلة منال كان حذاء الباليه وسلاح خصمها ماجد كان الطقطيقة) فمن شأنها أن تمرر الفكرة التالية: القوة الناعمة أمضى من القوة الهمجية. لذا لا يستوي المجتمع دون امرأة تشغل مساحتها الطبيعية فيه. في هذا الشريط، ليست المرأة هي الطرف الضعيف. منذ اللقطة الأولى تأخذ منال (ريموندا عبود) موقفاً حاسماً وترمي بخاتم الخطبة لماجد (زامل الزامل)، ومع ذلك تقبل الاختبار ثم تحظى بتعاطف جزئي أو تبريري من بعض أفراد الحشد. وفي نهاية المطاف تنال تعاطف المشاهدين سواء كانت صادقة أم كاذبة. تتمتع البطلة بالمهارة الحركية عبر التدريب على الباليه كما أن إيمانها بغايتها راسخ، فقد صوبت إيمانها نحو هدفها وليس نحو القوة الخارقة -إن وجدت – للحافة. منال ليست ملاكا،ً فهي أيضاً اتبعت الحيلة عندما لجأت إلى السماعات المخفية خلف الضفيرتين للابتعاد عن التشتيت الخارجي. لم تتكلم على طول الفيلم وسط ثرثرة مستمرة من المحيط ولكنها قالت كل شيء. أريد القول: يحق للإنسان (ولا سيما المرأة) تقرير مصيره مهما كانت العقبات الاجتماعية جسيمة.

الفيلم يركز على قضايا المرأة والحرية والاختيار، كيف أردتِ أن تطرحي هذه القضية بلغة سينمائية بعيدة عن المباشرة؟

لا أحب تكريس فكرة المرأة المستضعفة. عندما أثير قضية مجتمع كامل (التجمع الافتراضي للمحتكمين على الحافة) أمرر قضية المرأة من بين تلك الحالات المتباينة لرجال ونساء حول خلافات ونزاعات مادية وليست فقط اجتماعية، لقد تعمدت استبعاد توجيه هذه المحكمة نحو قضايا الشرف فالفرضية هذه تحمل شيئاً من الغرائبية والطرافة وتبتعد عن الهمجية حسب تصوّري لها. إذ سلط الحوار الثرثار الذي بنى السياق الحكائي الضوء على أمثلة أخرى تشمل حالات متنوعة، ولكن اختيار القصة الفعلية عن تجربة منال في فسخ خطوبتها يصب في تركيزه على المرأة بالفعل وحقها في تقرير مصيرها.

أما عن الرموز، فحذاء الباليه يعني بالنسبة لي التكنيك والرهافة والتمرين المسبق، وهذا التكنيك يشمل القوة الذهنية مع المهارة الجسدية وهو قوة ناعمة مقابل الطقطقية وهذه الأخيرة أداة صبيانية مزعجة ترمز إلى الفوضى والقوة الهمجية ويعكس استخدامها محاولة الكسب السريع بالقوة والعنف. واختيار اللون الأسود لهذه اللعبة وتواترها في الطقطقة يذكّر بالبنادق الآلية. أما شريط حذاء الباليه فهو باللون السماوي وينسجم مع حزامها، فالفتاة تنشد الحرية والانعتاق من علاقة غير متكافئة لتنطلق إلى الفضاء الرحب وربما تكمل دربها مع خيارات جديدة.

رشا ملحم على الحافة

هل مقولة الفيلم إشكالية؟

في وسط ملؤه الثرثرة والضجيج كانت منال تعمل بصمت واجتهاد لتحقق غايتها. هل هي صادقة أم كاذبة؟ يبدأ التساؤل عند المشاهدين مع بناء الخلفية القصصية ليتجاوز المشاهدون سؤال الحشد المترقّب الذي بقي عند هذه النقطة، فيما تكسب منال تعاطف نسبة كبيرة من المشاهدين معها مهما كانت نواياها (بحسب ما أظهره المتلقين بعد العرض) إذ ربما تفهّموا موقفها: ماجد يفرض نفسه عليها، فصار لدى المشاهدين تفهماً لقرارها بفسخ تلك العلاقة والمضي قدماً في الحياة سواء كانت كاذبة أم صادقة وبالتالي بريئة أم “خائنة”. إذا كانت بريئة فإن حريتها مستحقة وإذا كانت “خائنة” فإن حيلتها انتصرت لإرادتها في تقرير مصيرها وكشفت نقطة ضعف ذاك المجتمع “المفترض” المتشبث بالخرافات والغيبيات كوسيلة لحل مشاكله. فهل الإشكالية في صدق البطلة أو كذبها؟ أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى الإقرار في حقها في تقرير مصيرها؟ وبالتالي: هل كانت النهاية محسومة أم مفتوحة تجاه تبيان صدق البطلة أو كذبها؟

جوابي هو: لقد كانت محسومة بالفعل ولكن بطريقة غير مباشرة.

كيف توازنين بين الرمز والواقع حين تقدمين صورة الفتاة الصلبة في مواجهة المجتمع والتقاليد؟

فضاء الفيلم واقعي حتى لو كانت البيئة افتراضية، باستثناء لقطة سوريالية بسيطة: لحظة التقاء الحذاء والطقطيقة في الجو. سيتضافر الكون معها ولو لبرهة صغيرة، أي لحظة إحالة الصراع من المباشر: بين منال وماجد في نهاية الاختبار، إلى الأداتين اللتين تشيران لهما. قد يرى المشاهد لحظة تجمد الوقت اشتباكاً لحذاء الباليه والطقطيقة في الهواء، ولكن ما أردته هو توقيف الزمن لثوانٍ ومن ثم السقوط الحر للعنصرين، حيث وقع الحذاء على الحافة فيما سقطت الطقطيقة على الأرض. وهنا تكمن مقولة الفيلم.

هناك أدوات سرد رمزية أخرى تكشف عوالم الفيلم مثل:

هنالك ثنائية أخرى: الصمت ضد الثرثرة. إنها وسيلة إيصال رمزية. منال صامتة كل الوقت لكنها قالت كل شيء بالفعل وليس بالكلام.

ثنائية موسيقا بحيرة البجع مقابل الطقطقة المتواترة.

اللون الوردي من وجهة نظر منال عند سماع موسيقا أغنية “لا يسعني إلا الوقوع في حبك – I can’t help falling in love with you”.

حتى عصبة العينين، والتي هي جزء من الاختبار الأعمى فقد جعل البطلة على اتصال مع عالمها الداخلي.

رشا ملحم على الحافة

حول المشاركة في المهرجان تبدأ الفيلم رحلته في مهرجان الدار البيضاء واستمر وصولاً إلى مهرجان “طنجة زووم”، كيف تقيمين هذه المسيرة حتى الآن؟

صدر الفيلم رسمياً في شهر آذار مارس الفائت وكان عرضه الأول في المهرجان الدولي للسينما والمساواة بالدار البيضاء ثم تابع رحلته بالمغرب إلى مهرجان طنجة زووم وسيشارك رسمياً في مهرجان وجدة الذي سيعقد في 29 الجاري. ثم سينتقل إلى الجزائر ضمن فعاليات الأيام السنيمائية الدولية في سطيف الشهر القادم، وتلك مؤشرات جيدة بالطبع لصالح فيلمي الثاني، وهنا أقتبس من صديقتي الناقدة السينمائية د. لمى طيارة قولها “إن فيلم على الحافة سيحظى بإعجاب الجمهور الفرنكفوني وربما يتابع مسيرته إلى مهرجانات أخرى في بلدان غير عربية”. من ناحية أخرى، الفيلم سيشارك فعلياً في مهرجان الكويت الدولي المزمع في تشرين الثاني، لتكون أول مشاركة له في المشرق العربي.

ما الذي يعنيه لكِ أن يشارك الفيلم ضمن المسابقة الرسمية إلى جانب أعمال عربية ودولية في طنجة والجزائر وأن ينال تنويها خاصاً من لجنة تحكيم مهرجان طنجة؟

يعني سعادتي الغامرة لأنه يدلل على إعجاب جمهور السينما المغاربي بالفيلم، يعني أمنيتي أن يصل إلى المشرق العربي أيضاً وإلى العالم، وكذلك يعني رغبتي في خوض مغامرات سينمائية جديدة، رغم كل الصعوبات.

برأيك، كيف يختلف استقبال الجمهور المغربي والجزائري عن استقبال الجمهور السوري لعملكِ؟ 

أظن أن الجمهور المغاربي تلقّى مادة غرائبية من حيث البيئة والقصة وقارب حقوق المرأة في تقرير مصيرها ضمن قالب روائي غير تقليدي من حيث الفرضية المتعلقة باختبار المشي على الحافة. أدوات التوصيل من رموز وتقنيات فنية حافظت قدر الإمكان على الشرط السينمائي الذي يحاكي مزاج متذوقي هذا الفن بوصفه فناً عالمياً (Universal).

أما الجمهور السوري فلديه عوامل إضافية يفكر بها: إلام ترمز الحافة؟ ومن أي أسطورة محلية مستوحاة، أم أنه عالم مبتكر بالكامل؟ سيجدون ربما شيئاً من الفكاهة في حوار الحشد الريفي المرافق للحدث لأنه مستوحى من لغة البيت السوري، والأهم من ذلك: هل هناك إسقاط للقصة على الواقع السوري؟ هل الإسقاط يتعلق بخيارات الأفراد في التعاطي مع مصائرهم، أم أنها سوريا نفسها هي التي تقف على المحك بين الرجعية والحرية؟

رشا ملحم على الحافة


حول المعالجة البصرية والإخراج اختياركِ لموسيقى “بحيرة البجع” و “موسيقا أغنية لا يسعني إلا الوقوع في حبك” في المشهد الختامي ماذا يمثل لك هذا الخيار الموسيقي؟

لم يكن سهلاً خلق عالم متكامل من حافة صغيرة في منتزه شعبي في منطقة الربوة بدمشق. كنت محكومة بزوايا محدودة جداً حتى لا أفضح طبيعة المكان كونه مطعماً وكذلك كان يجب التأكيد على تفاصيل الحافة والجبل الصخري، وهنا ساهم التقطيع المستمر من حركة قدمي الممثلة إلى تغطية حضور الحشد الصغير والتنويع بين اللقطات الواسعة والضيقة في تصعيد الحدث الدرامي مع تعزيز هوية المكان الصخرية رغم ضيق المكان وقلة اللقطات المتوفرة لهذا الحشد. وكان اختيار اللون ولاسيما في الكتلة الأخيرة من الفيلم ذا دور فعال في توصيل الحل والذي تضافر مع الخيار الموسيقي للإجابة عن السؤال ما إن كانت منال واقعة في الحب أم لا.

موسيقا تشايكوفسكي التي تُسمع من خلال سماعات منال تشكل عالماً موازياً لذاك الذي خارج رأسها حيث الثرثرة والضجيج المستمرين. تقنياً الموسيقا وسيلة لعزل منال عن ذاك المحيط وهي تحيل إلى مسرحية رقص الباليه (بحيرة البجع) بما يدل على أن البطلة كانت قد تدربت بشكل جيد على التوازن لخوض الاختبار أي أنها تسلحت بالخيار العقلاني للعبور. أما من الناحية الرمزية فإن الموسيقا الكلاسيكية توحي بالعقلانية والذوق الناضج والانتظام وهو عالم البطلة وهذا يكسر الاكليشيه الذي ينمّط المرأة بالركون إلى العواطف والخرافات ومجافاة العقل والانضباط، ثم نكتشف أن إيمان ماجد بقوة الحافة الخارقة كان مزعزعاً والدليل على ذلك أنه أعد العدة لمعركته فجنّد الصبية لإزعاجها بالطقطقة ورشقها بالجوز ثم رفض النتيجة ولم يسلّم بها، أما أفراد الحشد المجتمِع هناك فلم يتقبلوا نقض ماجد للحكم أو التشكيك بصدقه ففضوا الخصومة بناء على ما رأته أعينهم على الحافة. وبالتالي شكلت الثرثرة المستمرة للمجموعة العالم اللا عقلاني الموازي لموسيقا بحيرة البجع المنتظم.

وللمفارقة في مكان، انطلقت بعد عدة أشهر من تصوير الفيلم مطالبات بتعزيز حضور الفنون في المرحلة المقبلة بناء على مخاوف مسبقة اكتسحت البلاد فنادت إحدى المظاهرات بعدم إغلاق قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية فالمتظاهر يريد أن يعلم ابنته رقص الباليه، ولعلّها لم تكن صدفة بل إن هاجس واقع المرأة ومصير الفنون يشغلنا منذ أطلت الحرب برأسها القبيح على البلاد.

رشا ملحم على الحافة

كيف تعاملتِ إخراجياً مع مشاهد التوتر الجماعي (الأهالي، الأطفال، التهامس، الرجم بالجوز) لتصوير الضغط النفسي على البطلة؟

هناك معوقات مهولة كانت في انتظاري: أدارة الموقع مع وجود مجموع بشري من كبار وأطفال وزبائن في المطعم. ضعف الإنتاج. محاولة التغطية الجيدة للمكان وابراز الحشد بعدد معقول رغم قلتهم. أضف إلى ذلك درجات الحرارة التي تخطت 40 درجة.

بالنسبة لمضمون الفيلم، البيئة في حد ذاتها تشكّل عقبة أمام تحقيق البطلة لهدفها، فالحشد ممن قادهم الفضول كي يحضروا المحاكمة أو آخرين ينتظرون دورهم كانوا عاملاً مقلقاً للبطلة. بعضهم يشمت بها ويستغل الحدث للتسلية والمراهنات والبعض متعاطف معها إلى حد ما، على الأقل بعد حكمهم على شخصية ماجد بأنها الاستحواذية. في هذا المناخ الافتراضي، غلّبت الجهل والركون إلى الخرافة، جنباً إلى جانب الأحاديث السطحية على حساب الذكورية. تجنبت إكليشيه وقوف المجتمع ضدها فقط لأنها امرأة، فالطقس مائل إلى التسلية أكثر كونه حكماً ذا عواقب وجودية على المتهم. وكذلك، يؤسس الحوار بين المجموعة لخلفية الأحداث ويشكل عامل تشتيت للمحتكم. فيما يجند ماجد الصبيان لإثارة الإزعاج عبر الطقطيقات وينتقل لاحقاً إلى رمي الجوز عليها بالمقلاع، (النقيفة) وطبعاً، كان من السهل اللجوء إلى الرجم بالحجارة لكنني تعمدت استخدام النقيفة التي تقذف حبات الجوز لأني لا أريد تقريب هذا الفعل من الرجم بالحجارة، وما به من إحالة إلى المحاكم العقابية الشعبية للمرأة المتهمة بالخيانة. حتى أن الفتاة فسخت خطبتها عندما رمت الخاتم منذ المشهد الأول لذلك من المفترض أن رغبة ماجد في محاسبتها على نواياها في تركه بتهمة اهتمامها بشخص آخر لا تبرر له السلوك العقابي. الهدف من ذلك تسليط الضوء على الحافة كبطل حاضر في الفيلم بوصفها القوة الخارقة المفترضة (معجزة/خرافة) لا الإدانة القاسية من المجتمع بحق المحتكم الخاسر إذا وقع، وهذا ينسجم مع البيئة السورية اللينة في كثير من المناطق.

من ناحية ثانية، الظرف الإنتاجي لم يتح الحصول على حشد كبير من الكومبارس لتأدية دور السكان المحليين لذلك جاء الحوار ليبرر أن منال غريبة قادمة من منطقة أخرى فلا غرض عند هذه المجموعة من الحضور سوى انتظار دور أحد أفرادها أو التسلية وحسب، كما عززت الاكسسوارات (مراوح اليد وزجاجة الكولا والفستق) وجهة النظر هذه، لتوضيح الحالة المسترخية لهؤلاء الأشخاص. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العمليات الفنية من دوبلاج ومكساج ومؤثرات صوتية ومونتاج لعبت دوراً كبيراً في رفع سوية الكومبارس حتى وصلت إلى حالة مستساغة لدى المشاهد.

 حرصت على التوزيع المتناغم بين سير الفتاة على الحافة والحوارات التي تؤسس للقصة وتعطيها سياقها فكان لابد من تمرير المعلومات بعناية دون تشتيت المشاهد أو تلقينه.

 هل كان تصوير الفيلم في بيئة قروية اختياراً جمالياً أم رمزياً لتقويض تقاليد محددة؟

كان تصوري عن المكان منذ تشكل النص على الورق بأن يكون في منطقة صخرية وذلك يوفر عاملين أساسيين: أولاً يعطي طابع روحاني للمكان ينسجم والقوة الخارقة المفترضة للحافة فيعزز المزاج الخيالي ويوحي بالرهبة، والسبب الثاني: الجبل الصخري يمحي الهوية الزمانية والمكانية للحدث ويجعلها تنطبق على أي فترة وأي بيئة (في مكان ما وفي زمان ما كان هناك مجموعة بشرية تؤمن بقوة خارقة لحافة) والمراد من ذلك الإشارة إلى أن المجتمعات البشرية بطبيعتها غير خالية من المساحة اللا عقلانية في تفكيرها الفردي أو الجمعي وإن تعددت أو اختلفت الطرق والأشكال وصولاً إلى زمننا هذا وعلم الطاقة الذي يمزج بين العلم والما ورائيات. وكذلك اعتمدت في تمييع البيئة على ملابس البطلة الذي لا ينطبق على عصر واضح تماماً واستوحيت هذا الزي من المسرح الرحباني. لكنني لم أستمر في ذات المنطق التجريدي في باقي التفاصيل إذ نجد أن الحوارات تنتمي للبيئة السورية من حيث اللهجة وبعض التفاصيل الثقافية مثل وجبة المكدوس مثلاً. أما الهوية الزمانية فقد تكشّفت بعد عدة دقائق من الفيلم عندما سقطت سماعة البلوتوث من أذن منال بفعل حبة جوز أصابتها. ثم ظهور الشارع وفيه سيارات في عمق أحد الكوادر.

هذه التوليفة أعطت للفيلم أجواء خاصة تمزج الأزلي بالمعاصر دون تنافر كما أرجو. المراد من ذلك بالدرجة الأولى عدم حصر هذا التقليد في بيئة محددة ونسب الحافة (وهي خيالية) إلى أي مجتمع في حد ذاته.

رشا ملحمحول التجربة الشخصية والمستقبل ما أبرز التحديات التي واجهتكِ أثناء كتابة وإخراج الفيلم؟

على الحافة هو خلاصة ورشات متسلسلة من الكتابة والإخراج في أكاديمية شيراز عام 2024. كنت قد قدمت الفكرة والتي وصُفت بأنها إشكالية ومربكة واستغرقت نقاشات طويلة مع أستاذ مادة السيناريو محسن رحماني، الذي سألني فيما بعد عن سبب تمسكي بهذا السيناريو للتصدي له في ورشة الإخراج، والسبب أنني أحب أن أكتب عن شيء يشغلني، فبعد غياب ست سنوات عن السينما لن أصنع فيلماً أجد فكرته عابرة.

لم تكن الكتابة أمراً سهلاً، إذ واجهت حبسة استغرقت شهراً كاملاً إلى أن توصلت إلى حل طبيعي غير مقحم لمشهد ماستر يتضمن إجابة عن السؤال: هل كانت البطلة في حالة حب أم لا، وتجلى الحل بسيطاً بعد عناء وهو تمرير موسيقا من السماعة الأخرى وكانت حينذاك الثواني الأخيرة من موسيقا أغنية (بتلوموني ليه) لعبد الحليم حافظ، والتي تحورت فيما بعد إلى موسيقا أغنية (لا يسعني ألا أقع في حبك).

 أما التجربة الإخراجية فكانت مريعة حقاً ولا أتمناها لعدوي. فكرت جدياً بعدها بالعزوف عن صناعة الأفلام نهائياً. أستاذ مادة الإخراج هادي مهدوي أبدى إعجابه بالديكوباج ولكنه بقي متشككاً تجاه قدرتي على إدارة الموقع ضمن الظروف التعيسة ليوم التصوير اليتيم، والحق أن شكوكه لم تخب. وعليه، كنت أمام خيارين لا ثالث لهما (بسبب ضعف المواد الفيلمية في ذاك اليوم إلى جانب الميزانية المنخفضة): الأول توخي الخيار الواقعي وصناعة فيلم ضمن هذه الإمكانيات المتواضعة فيكون شريطاً مصوراً تدريبياً أودعه في ملف على سطح المكتب إلى الأبد ويصبح طي النسيان؛ أو أن أحظى بيوم تصوير إضافي يجدد الآمال عندي وأستميت في جعله قدر الإمكان فيلماً احترافياً يمكنه السفر من سطح المكتب إلى المهرجانات. وهنا بدأت رحلتي أنا على درب الآلام الخاص بي أو حافتي أنا إن جاز التعبير. أحد أصدقائي وصف هذه التجربة قائلاً يمكننا أن نصنع فيلما عن تجربتك في صناعة هذا الفيلم بالنظر إلى التحديات الجسيمة التي واجهتني. ورغم هذه التحديات: التصوير ثم إعادة التصوير، والكتابة للصورة  من ثم تسجيل الدوبلاج، وعشرات الساعات من جلسات المونتاج والمكساج والغرافيك لم أتنازل عن معيار الجودة. ثم أنني وفقت بالممثلين ومؤدي الصوت والتأليف الموسيقي والمكساج والعمليات الفنية، كلها كانت على ما آمل في نهاية المطاف، ولولا إيمان الفريق والأصدقاء ممن عملوا معي بهذا المشروع وتعاونهم معي إلى أقصى الحدود (بما في ذلك تقديمهم للجهود دون مقابل مادي في بعض الأحيان) لما وصل الفيلم إلى هذه النتيجة. فقط نجاحه الحالي ما يجعلني أتجرأ على تكرار التجربة! لكن بمجرد استرجاع عملية صناعة الفيلم يتملكني الذعر. الأستاذ هادي قال لي بعد أن شاهد الشريط (احرصي على المشاركة في مهرجانات عالمية) يبدو أن شكوكه قد تبددت.

كيف تصفين تجربتكِ الآن كمخرجة تنطلق بفيلم قصير إلى فضاء عربي أوسع؟

لا أعدّ نفسي مخرجة. لقد صنعت فيلماً لأنني أحببت المضي في ذلك إلى النهاية. دائماً أرى نفسي في مجال الكتابة. أرى أن العالم العربي وسوريا على وجه الخصوص فيها من الهموم والقضايا ما يتسع إلى مجلدات. أتمنى أن أكتب عما يشغل فكري واهتمامي. أما عن التصدي لهذه الهواجس إخراجياً فذلك رهن للظرف والإمكانات ولو حدث ذلك، فسأخوض التجربة بكل صعوبتها إلى الحد الأقصى، فلا متسع لحلول وسطى في عالم صناعة الأفلام.

الكاتبة والمخرجة رشا ملحم

هل لديكِ مشاريع جديدة بعد “على الحافة” تفكرين في تطويرها، سواء في الفيلم القصير أو الطويل؟

بعد فيلم إعادة إقلاع وهو فيلمي الأول عكفت بسبب جائحة كوفيد إلى الترجمة والتحرير الأدبيين إلى وقت قريب حين عدت إلى السينما مع فيلم على الحافة، عدم الاستقرار يجعل العمل في السينما بين المد والجزر أما الكتابة فهي الأكثر ثباتاً. ومع ذلك إذا سنحت المناسبة لخوض تجربة سينمائية جديدة فعندي عدة نصوص تنتظر مني التطوير وأرغب أن أتصدى لها يوما ما.

مقالات ذات صلة