خاص هوى الشام من وسام شغري|في زمنٍ باتت فيه الكتابة فعلاً استعراضياً، يقدم لنا الكاتب والروائي رواد العوام كتابه “عواصف غرفة الكاتب”، ليعيد الاعتبار لـ “الإبداع” بوصفه الأساس الأول والأخير للأدب، عبر تشريح حيوي لما يحدث خلف الأبواب المغلقة حين يواجه الكاتب بياض الورقة أمام عواصف أفكاره ومن ثم يفرغها بقالب إبداعي ثرّ.
مسرح الصراعات الكبرى
ينطلق العوام من فرضية أن الأفكار تتحول إلى ساحة معركة (ميدان العواصف) حيث تتصادم الذكريات مع التطلعات، ويقف الكاتب عارياً أمام حقيقته وتجليات أفكاره، ومن خلالها يستنهض مخيلته لتنسج أسراراً على الورق.
يركز العمل على “سيكولوجيا الإبداع”، مستعرضاً حالات الاغتراب، والحنين، والبحث الدؤوب عن معنى الوجود عبر الحرف والكلمة.
يأخذنا العوام في رحلة أدبية ويلف بنا المدن والبلدان، ويستعرض لنا مختلف الثقافات العربية، حيث سيترك لكل كاتب المجال ليسرد لنا قصته مع الإبداع.
رحلة في الدول العربية
بدأ العوام رحلته من اليمن وقد اختار وجدي الأهدل الذي تمكنت منه الكتابة، وكيف أصبح مع الوقت نجماً في سماء المبدعين، يترك العوام الجنوب ويتجه شمالاً إلى مسقط رأسه سوريا، حيث الكاتبة نجاة عبد الصمد وقد تحدت مجتمعها، وما زال العوام يحط رحاله في سوريا ليستعرض لنا قصة مبدع كبير ألا وهو ممدوح حمادة الذي استعرض رحلته برمزية كما أسلوب كتاباته.
يتجه العوام إلى أرض الفراعنة ويتحدث عن رحلة سهير مصادقة، تلك الأديبة التي تمتعت بحس خيالي واسع، ومن ثم يعود إلى سوريا مع حكاية الكاتب السوري جان دوست ذي الأصول الكردية.
يرجع العوام إلى القارة الإفريقية قاصداً الكاتبة الليبية نجوى بن شتوان، التي عرت مجتمعها الذكوري، ثم يعود إلى سوريا مجدداً إلى قصة خليل صويلح، وبعدها يرحل العوام إلى تونس حيث الكاتبة فتحية دبش وكيف عانت بس لون بشرتها في مجتمع عنصري وذكوري. وبعدها يرحل العوام إلى الجزائر حيث الكاتب الجيلالي عمر الذي أغرم بالكتابة والأدب، وأخيراً يختم العوام رحلته في الإسكندرية، عند إبراهيم عيد المجيد الذي أبدع بأسلوبه وغدا واحداً من الكتاب الكبار.
لغة الكتاب
يستخدم العوام لغةً تمزج بين الشاعرية والواقعية، ما يجعل القارئ يشعر بأنه شريك في تلك “العواصف” وليس قارئاً فحسب.
في كتابه “عواصف غرفة الكاتب”، لا يقدم رواد العوام تجربة معزولة، إنما ينسج نصه من خلال “التناص” والاشتباك مع تجارب روائيين عرب كبار، متخذاً منهم نماذج ملهمة.
هندسة النص عند رواد العوام
يتميز الكتاب ببناء سردي يعتمد على “النص المكثف”، لا يغرق العوام القارئ في تفاصيل إنشائية مملة، إنه يقدم “ومضات” فكرية تضرب في العمق.
تكمن أهمية “عواصف غرفة الكاتب” في كونه يكسر الحاجز بين المبدع والمتلقي. هو يهمس في أذن القارئ: “لست وحدك في قلقك”.
خلاصة القول: رواد العوام في هذا العمل فتح نافذة على روحٍ تحاول النجاة من خلال الحبر، حاور الأديب وتمكن من فهم ما يدور في خلده أثناء الكتابة، ما يجعله وثيقة أدبية مهمة تدرّس.
يذكر أن الكتاب من القطع المتوسط وصدر عام 2023 وهو الإصدار الثالث للعوام.


