الرئيسيةالفنون السبعةممدوح حمادة لـ هوى الشام: هكذا تصنع الضحكة من الألم وأكتب لنفسي...

ممدوح حمادة لـ هوى الشام: هكذا تصنع الضحكة من الألم وأكتب لنفسي وللقارئ في آنٍ واحد

خاص هوى الشام من وسام شغري| في زمن أصبح فيه الواقع العربي مادة خصبة للكوميديا السوداء برز اسم العبقري ممدوح حمادة كواحد من أهم مهندسي هذا الفن، فكان واحداً من أهم الذين أبدعوا في هذا المجال، وحفر عميقاً في وجدان الجمهور السوري الذي عشق أعماله وحفظها عن ظهر قلب، وغدت أنسه في واقع أليم خبره وعاشه وصار لزاماً عليه.

كان لـ هوى الشام لقاء حصري مطول مع ممدوح حمادة الكاتب والأديب والسناريست الذي طال النجوم بإبداعه وتخطى الحدود

انتقال الصحفي إلى عالم الكتابة الأدبية، سلاح ذو حدين، فقد ينجح ويبدع، وقد يأخذ معه لغة الصحافة الرمادية، ما الذي حدا بك إلى ترك بلاط صاحبة الجلالة والذهاب إلى فضاءات الأدب القلقة؟

في الحقيقة أنا لم أنتقل من الصحافة إلى الكتابة، إنما علاقتي بالصحافة جاءت بعد زمن طويل من ممارستي الكتابة، كما أنه لا يمكن القول إنني كرست نفسي كصحفي، حيث لم يتسنَ لي العمل في هذه المهنة سوى في فترات متقطعة لم تسمح لي بأن أكون صحفياً بما تعنيه الكلمة من معنى.

السخرية كأداة نقدية: ممدوح حمادة يشرح فلسفة الكاريكاتير

نتاجاتك الساخرة، وولعك بالكوميديا السوداء في الكاريكاتير، هل هي خيارك الإبداعي، أم انسجام مع طبيعتك الداخلية.. وهل ترى في الكاريكاتير شكلًا من أشكال كتابة السيناريو المختصر؟

السخرية هي روح الكاريكاتير. وفي التعريفات الرسمية، معنى كلمة كاريكاتير هو المبالغة أو التضخيم، وقد اتخذ الكاريكاتير منذ بداياته طبيعةً نقديةً، فالكاريكاتير الفرنسي اشتهر بالنقد السياسي، والكاريكاتير الإنكليزي بالنقد الاجتماعي الأخلاقي، إلى أن ترسخت أنواع الكاريكاتير بشكلها الحالي، نحن في بلادنا مع كثرة المشاكل لم يكن للكاريكاتير أن يبتعد عنها، ومن هنا يكتسب طبيعته المتمثلة بالسخرية السوداء، طبعا بقية الأنواع أيضاً موجودة، وذلك لأن للكاريكاتير وظائف متعددة لا يتسع المجال للحديث عنها الآن.

يقول موليير إنه اكتشف الكوميديا عندما درس حياة الناس، إلى أي حد تستمد قصصك من الواقع؟

الواقع هو المصدر الأساسي لأغلب ما يكتب من قصص وحتى تلك التي تغرق في الخيال، فهي محاكاة بشكل ما للواقع ونحن عندما نتفاعل معها فإننا نجري مقارنة خفية بينها وبين الواقع، ومع ذلك فإن الواقع يشكل المنطلق أو البذرة التي يبنى عليها، فالكاتب لا يأخذ القصة كما هي ويطرحها، وإنما يعمل عليها ويكسبها المزيد من الأحداث والتفاصيل التي يجود بها خياله، لدرجة أن بعض القصص تفقد الشبه بينها وبين القصة الأساسية التي أوحت بها، ومع ذلك فإن بعض القصص التي تحدث في الواقع قد تكون أغرب من الخيال والحفاظ عليها كما هي يجعلها أكثر تأثيراً.

ما الحد الفاصل بين الواقعية والمبالغة في الكوميديا؟

الكوميديا أنواع، منها ما يكاد يتطابق مع الواقع ويؤدّى بعفوية بالغة تشبه الواقع، ولكن في أحيان كثيرة تتم عملية تكثيف تجعل هذا الواقع مضحكاً أو مضحكاً مبكياً أو غير ذلك، الموقف الكوميدي يكون بتركيز عال ومغربل، إذا أمكن القول، ومنقى من التفاصيل الأخرى في الحياة، فمثلاً عندما نطرح حياة شخصية ما في الكوميديا فإننا نركز على المواقف التي تبعث على الكوميديا في حياته ولا نعير اهتماماً لبقية التفاصيل، فتأتي في الواقع متباعدة مشتتة، بينما في الكوميديا متشابكة ومتصلة مع بعضها، ويمكن أحياناً أن نجمع عدة حالات من الواقع ضمن حالة واحدة في الدراما، في بعض أنواع الكوميديا تبتعد الدراما عن الواقع نحو المبالغة، كما في التهريج الذي يعتبر أحد أنواع الكوميديا الصعبة، حيث يعتمد هذا النوع مثلاً على المبالغة في كل شيء من ملامح الوجه إلى الألبسة والحركة وغير هذا. هنا يكون ارتباط الكوميديا بالواقع عبر الفكرة فقط، إذ إن المفارقة غالباً ما تكون مستقاة من الواقع إلا أن عناصر الكوميديا كلها من خارج الواقع.

من “عيلة ست نجوم” إلى “بستان الشرق”: تطور الكوميديا في أعمال ممدوح حمادة

ما بين عيلة ست نجوم أو الليدي فردوس كما سميته أنت، وبستان الشرق حصيلة 22 سنة و30 عملاً، ما الذي تغير في كتاباتك طوال هذه المدة؟

مثلي مثل جميع الكائنات الحية أنمو واتطور ثم أذبل، لا أستطيع شخصيا الحديث عن ذلك كل ما يمكنني قوله إنني بطبيعة الحال مع تراكم الخبرة ومرور الزمن ازددت نضجاً وما زلت لم أذوِ بعد.

في أي عمل ترى أنك عبّرت عن نفسك بأصدق شكل؟

لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، فكوني أوجه رسائلي إلى الجمهور فإن أي عمل يستطيع إيصال هذه الرسائل إلى الجمهور هو العمل الذي أعتقد أنني عبرت به عن نفسي بشكل أنجح، بكل الأحوال لم أتوقف عند هذا الأمر.

هل تكتب للقارئ أم لنفسك أولاً؟

لا يوجد فرق فأنا أكتب لنفسي وللقارئ في آن معاً.

هل ما تزال مؤمناً بقدرة الأدب على التغيير الاجتماعي أو السياسي؟

انا لم أكن يوماً مؤمناً بقدرة الأدب على التغيير، هو جزء من حوامل التغيير، فأي تغيير يحتاج الى مقدمات موضوعية وذاتية لا بد من توافرها وحينها يكون للأدب دوره، وبطبيعة الحال فإن قدرة الأدب ومستوى تأثيره على عملية التغيير مرتبطة ارتباطاً مباشراً بموضوع القراءة، ففي أمة لا تقرأ يكاد تأثيره ينعدم.

درست الصحافة في بيلاروس، فكيف أثّرت دراستك في تجربتك الأدبية والدرامية لاحقًا؟

في الصحافة درسنا الكثير من المواد التي كان لها تأثير مباشر، مثل تاريخ الأدب الأجنبي وتاريخ الأدب الروسي ومادة النقد الأدبي والمسرحي والسينمائي ومواد أخرى شبيهة على مدى خمس سنوات. هذا الموضوع شكل لدينا قاعدة يمكن الارتكاز عليها للقيام بأي نشاط إبداعي، فما حصلنا عليه من اطلاع ومعرفة في هذه المجالات يعتبر ثروة لا تقدر بثمن بالنسبة لنا.

كيف كانت خطواتك الأولى في دخول عالم الدراما؟ ومن دعمك في البداية؟

كنت أعمل مراسلاً صحفياً، وكنت أود إجراء مقابلة مع الفنان الراحل خالد تاجا الذي تعرفت إليه عن طريق الصديق مناع حجازي الذي كان سيخرج فيلماً من تأليفي وبطولة خالد تاجا. ولكن لم يكتب غير أنه صنع لي علاقة مع الفنان خالد تاجا الذي كان يصور مسلسل إخوة التراب، فقادني إلى الفنان أيمن زيدان وتعرفنا على بعض وقال له أنتم تبحثون عن كاتب يكتب الكوميديا وهذا هو مشيراً إليّ.. وهكذا بدأ عملي بالدراما، بموازاة ذلك كنت أعمل وقتها في شركة الزهرة للدوبلاج، وكانت هناك فكرة لعمل اسمه (محطة الكرتون) عند الصديق مناع حجازي عملنا عليه معاً برفقة زملاء آخرين ونتج عنه لاحقاً محطة سبيس تون بعد إجراء الكثير من التعديلات.

في أعمالك مثل ضيعة ضايعة والخربة والواق واق نلمس فلسفة عميقة خلف الكوميديا، فهل تعتبر نفسك كاتباً ساخراً أم فيلسوفاً درامياً؟

لا أقلّد نفسي الألقاب، وإلا فسأصبح مادة أسخر منها، أعتقد أن الجمهور والنقاد والزمن هو الذي يحدد ذلك، أما أنا فربما يكون هناك مصداقية لقيمة أطلقها على شخص آخر أم القيمة التي أطلقها على نفسي فستكون سلوكاً نرجسياً لا أعاني منه حتى الآن؟

هل تساعد باختيار الممثلين الذين سيجسّدون الشخصيات، أم تترك ذلك للمخرج؟

عادة يكون هناك مشاورات بيني وبين المخرج، وربما الجهة المنتجة، ولكن بسبب إقامتي الطويلة في الخارج وعدم معرفتي بشكل مباشر للكثير من المواهب، فعادة ما أترك الخيار للمخرج الذي يرى الصورة بوضوح أكثر مني، أما إذا كان سؤالك عن دور المؤلف في هذا المجال فهناك الكثير من المؤلفين يختارون أو يشاركون في اختيار الممثلين، وأنا أرشح الأسماء التي أعرفها.

 كيف حوّل ممدوح حمادة الواقع العربي إلى دراما ساخرة؟

أعمالك تناولت الإنسان السوري والعربي ببساطته ومعاناته، فهل تعتبر الدراما وسيلة لتغيير الواقع؟

لا الدراما كما الأدب يمكن أن تسهم في التغيير وكان من المفترض أن يكون لها دور أكبر؛ لأن لها تأثيرًا أوسع على الجماهير. ولكن لكي يحدث ذلك يجب أن تكون مستقلة وهذا غير متوافر لها، فهي ممولة من جهات معظمها مرتبط بهذا الشكل أو ذلك بأصحاب السلطة السياسية وستعرض على شاشات هي الأخرى إما مرتبطة بأصحاب السلطة أو تابعة لهم، وتمثلهم بشكل مباشر وإذا ضمنت رسائل التغيير للعمل فإنه لن يمر، ربما مع وجود المنصات على الإنترنت يجري تعديل على الصورة لاحقا، لا أدري.

كيف تنظر اليوم إلى واقع الدراما السورية مقارنة بما كانت عليه قبل عشرين عامًا؟

لا شك بأن 14 عاماً من الحرب أثرت تأثيراً كبيراً على الدراما السورية وأضعفتها. الآن بعد انتهاء الحرب لا توحي الظروف التي تشكلت بأن هناك نهوضاً مرتقباً في الدراما السورية، فالوضع غير مناسب لذلك.

أي شخصية من أعمالك تشعر أنها الأقرب إليك أو تعبّر عنك شخصيًا؟

لا يوجد شخصية تعبر عن المؤلف، رسالة العمل هي التي تعبر عنه ربما، أما الشخصيات فكل شخصية تعبر عن نفسها، هناك شخصيات كثيرة تعجبني بعد الأداء الناجح من قبل الممثلين.

ما الذي أردت قوله من خلال الواق واق؟

أردت أن أتكهن بما سيحدث لنا بعد سقوط النظام، فالواق واق هي أرض توافرت فيها كل الظروف للإقامة والسكن وحضر اليها أناس هاربون من نظام جائر، ومن المفترض أنهم عندما يقيمون دولة يجب أن يتخلصوا من كل عيوب ذلك النظام، ورأينا ما حدث في الواق واق ونرى الآن ما يحدث عندنا بعد سقوط النظام.

لو أُتيح لك إعادة كتابة عمل سابق، هل ستفعل؟ ولماذا؟

هذه الرغبة ربما تنطبق على كل أعمالي كون الكاتب دائما يكتشف ثغرات يتمنى لو أنه يملك القدرة على سدها، ولكنني بطبيعة الحال لن أفعل ذلك؛ لأنني أفضل أن أكتب شيئاً جديداً.

كيف ترى مستقبل الدراما العربية في ظل انتشار المنصات الرقمية والذكاء الاصطناعي؟

أعتقد أن هذا سيؤثر كثيراً على اتساع مدى الحرية في الدراما، ولكن لا أجزم بذلك فربما ستخضع هذه المنصات لقوى ستسعى للسيطرة عليها، وهذا يجري على أرض الواقع، فهناك جهات تسعى لامتلاك كل شيء، وعندها لن يحدث شيء سوى التطور التقني.

ما النصيحة التي تقدّمها للكتّاب الشباب الراغبين في دخول مجال الكتابة التلفزيونية؟

لا أقدم أي نصيحة، فالنصيحة قد تؤطر التفكير إذا تم الأخذ بها، على كل شخص أن يتعلم من تجربته الشخصية، ومن يريد التطور فهناك الكثير من الكتب والدروس والدورات التي يمكن أن يتبعها لتقوية تجربته.

ماذا تعني لك الكتابة على المستوى الشخصي؟

ممارسة حياتي اليومية.

هل يضحك ممدوح حمادة من أعماله حين يشاهدها؟

عندما أقدم مفارقة أو موقفاً للجمهور فإنني أعتقد أنه مضحك، وعندما أكتب أبتسم لهذه المفارقات أو المواقف، أما بعد ظهورها على الشاشة فلا أتأثر كثيراً من هذه الناحية، وأتفاعل مع الموضوع تبعاً لنجاح أداء الممثل الذي يلعب الدور، فإما أن أضحك أو أندم.

ماذا تقول للجمهور الذي يرى فيك “ضمير الإنسان البسيط” في الدراما؟

بغض النظر عما يرى الجمهور وفيما لو كنت كذلك أم لا فإنني أقول للجمهور: “كل الحب والتقدير”.

أنت كاتب قصص محترف، وقد أصدرت سلسلة دفاتر، ما الفكرة الرئيسة وراء هذا الاختيار أقصد اختيار الاسم؟

أنا أكتب منذ زمن طويل، ولكن فرص النشر لم تكن متاحة لدي بسبب غيابي عن البلد وانعدام معارفي تقريباً، ولذلك فإن كل هذه القصص كانت موجودة على دفاتر عندي، وعندما تعرفت إلى دار ممدوح عدوان وقررنا النشر.. وبعد مداولات قررنا أن نطلق عليها هذا العنوان كونها كلها مأخوذة من تلك الدفاتر، ومن أجل تسهيل الموضوع ننشر هذه القصص بحسب مضمونها لا بحسب تسلسلها الزمني.

في خماسية يا جارة الوادي استشفيت عمق الإحساس وتبين لي أنك شاعر من الطراز الرفيع. لماذا لم تصدر مجموعات شعرية، ولم لا نرى لك عملًا كاملًا دراميًا يحاكي يا جارة الوادي؟ وفي هذه الحلقات أيضاً تحدثت عن السجين السياسي في زمن الكلمة فيه صعبة، هل شخصية السجين المعتقل حقيقية أم من نسج الخيال؟

بالنسبة للشعر أنا مثل معظم من يمارس الكتابة في بلادنا بدأت كشاعر ولدي عدد من القصائد المغناة بواسطة الفرق التي كانت سائدة في الثمانينيات وما زلت أكتب بين فترة وأخرى، ولكن ارتباطي بالقصة وقدرتها على الوصول أكثر إلى الناس جعلني أهمل موضوع الشعر وتركه لتأثير المزاج.

إنتاجك الروائي قليل لكنه زخم، ما أسباب قلة هذا الإنتاج؟

طلوع السلم درجة درجة، أنا لم أقدم الروايات ولكنني دائماً تحت هذا الهاجس، وعندي الكثير من الأفكار دونتها في مراحل مختلفة وبعضها بدأت بكاتبته وأقوم الآن بالعمل على واحدة من الروايات، وأنا دائماً أقول لو توافر لي الدخل الذي يؤمن تكاليف الحياة لتوقفت عن كتابة السيناريو وتفرغت لكتابة الرواية، ولكن نكاية بي لا يتوافر هذا الدخل مع الأسف.

هل ترى خليفة لك بين المؤلفين الجدد؟

ليس لدي أوهام في هذا الموضوع أنا لست خليفة لأحد ولن يكون هناك خليفة لي أو لغيري. كل تجربة جديدة ستضع بصمتها وتشكل قطعة في اللوحة الفسيفسائية.

وأخيراً لماذا اعتمدت على لهجات محلية في بعض الأعمال كالخربة وضيعة ضايعة، ما أهمية اللهجة في بناء الهوية الدرامية للشخصيات والأحداث؟

موضوع اللهجات كان مشروعاً لم يكتمل والهدف منه تقديم شيء مختلف، ربما سنتابع في هذا المجال مع توفر بعض الظروف لذلك.
وبعكس ما يعتقد فإن اللهجة وإن أثرت على استقبال الشخصية إلا أنها لا تشكل هويتها فجميع الأعمال المذكورة لو قدمت بلهجات أخرى لما تغير شيء ونفس الأمر ينطبق على الأحداث المأخوذة من بيئات مختلفة أصلاً.

مقالات ذات صلة