هوى الشام
تؤكد الكثير من المؤشرات والدلائل أن الجامعات الخاصة في سورية تخلت عن رسالتها التعليمية، وعينها على الربح والتجارة وتقديم الخدمات الفندقية المأجورة ،مستغلة شغف المواطن السوري للعلم ونزوله عند رغبة اولاده لدراسة الفرع الذي يرغبون له .

وعبر استقصاء إعلامي تم من خلال جمع المعلومات عن الجامعات الخاصة التي احدثت منذ عام 2001 ووصل عددها اليوم الى 23 جامعة، تتفاوت الرسوم التشغيلية بين جامعة وأخرى، كونه لا يوجد ما يمنع الجامعات الخاصة من رفع أسعارها، لغياب التشريعات الضابطة وجميع الجامعات لديها فائض في تسجيل الطلاب .

وتتفاوت تكاليف الدراسة في الجامعات الخاصة بين جامعة وأخرى وتصل الاقساط السنوية الى أعلى من الجامعات العربية والاجنبية ، حيث في سورية يزيد القسط السنوي لكلية الطب في سورية عن القسط في بعض الجامعات الروسية 3 الاف دولار فقط أجور ساعات تدريس.

وفي حسبة بسيطة  اذا كان كل طالب طب يدفع ثمن الساعة المعتمدة خلال الفصل 100 الف ليرة، والدراسة محددة خلال مرحلة الاجازة 265 ساعة معتمدة تكون تكلفة الدراسة فقط ثمن ساعات التدريس دون الرتوش والرسوم الأخرى ،ودون ان يرسب الطالب في اي مادة ،ودون اجور النقل والمواد التي يستخدمها وهي مرتفعة جدا لدى طلاب طب الاسنان، بحدود 26500000 ليرة تكلفة دراسة طالب الطب 5 سنوات دون اعادة مواد او رسوب يابلاش .

وبينما يكلف طالب الهندسة مدنية أو عمارة في الجامعات التي حددت سعر الساعة المعتمدة ب 35000 ليرة، وبحاجة الطالب الى 168 ساعة خلال خمس سنوات دراسة،، حوالي 5880000 ليرة فقط ثمن ساعات تدريس معتمدة، دون ما تفرضه بعض الجامعات من تأمين صحي على الطلاب، ومدفوعات اضافية، وأنشطة اجتماعية، وزيارات ميدانية وحفلات، وملحقات العملية التعليمة حيث طالب الهندسة يكلف مشروع تخرجه في الجامعات الحكومية عشرات الالاف، بينما في الجامعات الخاصة ترتفع التكلفة الى مئات الالاف حسب نوعية المشروع وطبيعته .

المحاسب التجاري وماجستير في الاقتصاد “غدير حمود” بين ان الاسعار التشغيلية متغيرة بشكل مستمر، نتيجة عدم استقرار سعر الصرف ،ولا يوجد امكانية لحساب القيمة الحقيقية للكلف ،لكن في الغالب بحسب الاقساط المعلنة أن ارباح الجامعات الخاصة كبيرة جدا، ويدل على ذلك كثرة انتشارها والاختصاصات الجديدة التي تفتحها، والتي تركز على طرح التخصصات المرغوبة من الطلاب لا التخصصات التي تدعم البحث العلمي ،أو حاجات المجتمع الأمر الذي يؤثر على مخرجات العملية التعليمية.

ومن خلال التقصي تبين ان جميع من شغل في الحكومة مناصب وخاصة في وزارة التعليم العالي، أو معاون الوزير لشؤون الجامعات الخاصة يعملون في الجامعات الخاصة وبرواتب مرتفعة “نتحفظ على ذكر الاسماء” تدعي الجامعات انها تصب في خانة جذب الخبرات، بينما يرى أساتذة جامعات تدرس في الجامعات الخاصة انها منفعة شخصية، وقد تكون مكافأة على خدمات سابقة قدمت .

ولم تسلم رسوم الدراسة الجامعية الخاصة من ارتفاع الاسعار، حيث ارتفعت سعر الساعة في الهندسات من 8000 ليرة الى 35000 ليرة خلال السنوات الخمس الماضية ، بحسب طلاب رفضوا الكشف عن هويتهم ويتعرضون الى مزاجية الاساتذة في التصحيح والتقييم، وأضافوا ان القانون يمنع اعطاء المادة الا من يحمل شهادة الدكتوراه، بينما تقوم الجامعات الخاصة بالتعاقد مع من يحمل شهادات ماجستير، وأحيانا اجازات جامعية ومعاهد لتدريس بعض المواد دون حسيب او رقيب .

الاستاذ الجامعي ش – م قال ان الجامعات الخاصة تحتوي أفضل الخبرات الجامعية والمناهج الخالية من التكرار والحشو، بينما تضم في الغالبية طلاب غير مهتمة بالتعليم، وتتفاخر برفاهيتها من السيارات والمصاريف ،وتريد النجاح بعكس الجامعات الحكومية التي تضم أفضل الطلبة ومناهج تحتاج الى تعديل وتنظيف من الحشو والمعلومات غير المفيدة، بالإضافة الى الدراسة في الجامعات الخاصة باللغة الانكليزية وتقديم الوظائف والامتحانات بها.

ومن خلال الاستماع الى بعض العاملين في الجامعات الخاصة عن الخفايا ، نسأل هل التفتيش من قبل وزارة التعليم العالي يكون على أنظمة الجامعات الاساسية التي تعمل عليها، أم على بيانات مخصصة للتفتيش؟ وهل سمعت الرقابة في الوزارة بتوقيع الموظف على ورقة استقالته قبل بدء العمل؟ وهل لدى التأمينات الاجتماعية دراية ان الجامعات تصرف للموظفين رواتب بسعر مرتفع وتسجلهم في التأمينات بسعر آخر متدني جدا؟ وهل قادرة وزارة المالية على الاطلاع على حجم الرواتب التي تحول للبنوك الخاصة ومقارنتها مع ما يسجل في التأمينات؟ وهل تدقق المالية على عمل المحاسب القانوني للجامعات الخاصة؟ وهل أرباحها فقط ضمن النسبة المحددة في القانون ؟.

بدورهم طلبة الجامعات الخاصة وصفوا أنفسهم “شوال مصاري متنقل” ، حيث دفع المصاري كيف ما اتجهت وبأسعار خيالية دون رقيب أو حسيب ،و اجور النقل تكلف الطالب في العام الواحد بحدود 300 الف ليرة ، وسوق الخدمات الطلابية الجامعية ، وأسعار البوفيه تعامل الطلاب بأسعار خدمات رجال الاعمال، فعلبة السجائر يزيد سعرها 150 ليرة عن سعر السوق ، وتصوير النوطة 10 أوراق 600 ليرة، وفنجان القهوة 350 ليرة، وعلى الطلاب دفع رسوم مختلفة غير السعر المعتمد للساعات وكيفما اتجه عليه وضع يده على جيبه .

والزمت وزارة التعليم الاساتذة في الجامعات الحكومية التدريس في الجامعات الخاصة فقط يومي السبت والأحد ، حيث يلهث الاساتذة خلف تدريس ساعات لتحسين وضعهم المعيشي ، وبالرغم من ذلك تأخذ الجامعة حصتها نسبة من اتعاب الاساتذة مقابل السماح لهم بالتدريس .

الصحفي كنان وقاف اعتبر  ان الجامعات الخاصة لم تقدم الاثراء والبحث العلمي الذي كان مأمولا منها ، بل اهتمت بالربح والبريستيج والخدمات الفندقية، كون جميع الطلاب من ميسوري الحال وتعمل من دون رقيب أو حسيب، وخاصة بالنسبة الى مناهجها الذي يفترض أن تكون عصرية ،لافتا الى أن خريجي الجامعات الخاصة غير مرغوبين في سوق العمل، كما كنا نعتقد عند احداث الجامعات، ولا يوجد أي مخرجات بحثية للجامعات الخاصة ولا بصمة واضحة، ويلاحظ ذلك بوضوح من خلال الأطباء المقيمين، حيث من تعلم في الجامعات الحكومية مميز عن الجامعات الخاصة وليس العكس .

الجامعات الخاصة تعمل بعقلية الدكاكين والربح وغير مقتنعة بهامش الربح المحدد لها، وتصنيفها وفق موقع “ويب مارتكس” العالمي للجامعات في مراتب متأخرة ،واليوم بعد 18 عاما على احداثها في سورية يحق لنا أن نسال عن التميز والابداع والابحاث العلمية التي تقدمها، وتستحق نظرة مراجعة نقدية على اسس علمية إلى أين يتجه التعليم الجامعي الخاص في سورية ؟!

B2B – طلال ماضي