هوى الشام
حياة الإنسان مملوءة بالأحداث المتقلبة بين مسرات وصعوبات، وجميعها تؤثر في حياتنا النفسية وتترك أثراً في ذاكرتنا وقد تقلب مسار حياتنا إلى سكك غريبة ومختلفة، قد نجدها بعيدة عن طموحاتنا أو ربما قد تكون حلاً لمشاكلنا وراحة لتفكيرنا، وفي بعض الأحيان قد تكون الأحداث الفارقة نقطة تحول قد تترك آثاراً نفسية من الصعب نسيانها.
وحسب الدراسات الإحصائية السيكولوجية التي تتحدث عنها د.غنى نجاتي اختصاصية الصحة النفسية فإن تأثير الأحداث الخارجية على الإنسان يختلف من شخص إلى آخر حسب مبدأ الفروق الفردية، فكل إنسان لديه طريقته الخاصة لقراءة الواقع واستيعاب وتفسير الأحداث بلغته الخاصة، فضلاً عن ذلك فإن لكل شخص طريقته المتفردة بالتعبير عن مشاعره وأفكاره وسلوكياته. كما تختلف مواجهة الفرد للتغيرات والأحداث حسب ما لديه من دعم أسري واقتصادي وعاطفي واجتماعي، وما يملك من صلابة ذاتية ومناعة نفسية وقيم معرفية.
وقد تكون الأحداث الفارقة والمهمة سلبية التأثير، كوفاة شخص عزيز داعم لنا كالزوج أو الأم والأب، أو خسارة عمل يسدد فواتير متطلبات الحياة أو فقدان منزل يلم شمل الأسرة. وربما تكون الأحداث المهمة إيجابية كولادة طفل لطالما طال انتظاره، وشراء بيت فخم أو سيارة فارهة، أو ربح جائزة كبرى باليانصيب، أو زواج سعيد بعد علاقة حب طويلة أو التخرج والحصول على وظيفة الأحلام.
وكل هذه الأحداث تخلف تأثيراً في مجرى حياة الإنسان، وتأتي هذه الأحداث الفارقة سلبية كانت أم إيجابية مرة في حياة الإنسان أو عدة مرات، فهي ليست أحداثاً ومواقف يومية روتينية بل قد تكون حاسمة في حياة الفرد، ومصيرية الأبعاد بشكل تؤثر في منظومة القيم لديه، وقد تغير في مفاهيمه الوجدانية بشكل عميق وراسخ.
وتترك الآثار السلبية ندبة وألماً نفسياً عميقاً لا يختفي أثره بسرعة، فحسب الدراسات النفسية للمختصين يحتاج الإنسان إلى فترة أربع سنوات وسطياً ليتعافى بشكل كامل من خسارة ثروته بالكامل، أو من طلاقه أو وفاة عزيز على قلبه، أما خسارة العمل فعادة لا تأخذ كل هذه الفترة، وخصوصاً إذا حصل الإنسان على وظيفة بديلة عنه.
وكذلك تأتي الأحداث الفارقة والإيجابية لتغير من مستوى السعادة والمتعة عند الإنسان وترفعها إلى ما فوق المعدل الاعتيادي، ولكن هذا التأثير يكون مؤقتاً ويزول في وقت قصير المدى، ويعود مستوى المتعة والسعادة إلى معدله السابق، حيث تختفي فرحة الزواج ويعتاد الإنسان عليه بعد سنة تقريباً، ويمل الإنسان من ركوب سيارته الضخمة، ويضجر من تفاصيل منزله المخملي بعد سنتين وسطياً.
نحن نعيش في رتم متغير من التقلبات الحياتية والأحداث الجوهرية سلبية كانت أم إيجابية، والتي تترك أثرها وتداعياتها في مختلف مجريات حياتنا العاطفية والاقتصادية والاجتماعية. ولذلك يجب علينا أن نعي أن كل ما يحدث لنا يحدث لسبب وحكمة قد لا نعيها اليوم، ولكن حتماً سنفهمها مستقبلاً.
لذا تنصح اختصاصية الصحة النفسية كل شخص عاش تجربة سلبية، وعانى من آثارها بأن يحاول استخلاص قيم وعِبر منها، وأنا من أنصار المثل القائل (الضربة يلّي ما بتموتك بتقويك).
فربما هذه الأحداث السلبية الفارقة والمصائب أجبرتنا على اكتشاف قوة داخلية جبارة كنا غافلين عنها، ونصيحتي الأخيرة بأن كل من يبحث عن السعادة الدائمة سيجد نفسه يركض وراء سراب، فلا شي دائماً في المنظومة الكونية، وكل شي مؤقت ومعرض للزوال، سواء أكان ألماً وحزناً أم كان ضحكة وفرحة، لذلك يجب أن نعيش الحاضر بمرونة نفسية ورحابة وجدانية وحكمة عقلية.
SHARE