الكليجة

هوى الشام|  في مخيم للاجئين السوريين أقصى شمال غرب العراق، وبالرغم من درجة حرارة الجو العالية، تقف أكثر من عشرين امرأة سورية بالقرب من “فرن قامشلو للمعجنات”، يحملن صواني “عجينة الكليجة”، بانتظار أن يصلهن الدور لتحميص ما صنعنه طوال ليلة أمس.

السيدة أمينة أومري واحدة من هؤلاء النسوة، تروي لسكاي نيوز عربية ما تعنيه الكليجة بالنسبة لها، وطريقة إعدادها “أكاد أن أبلغ السبعين من عُمري، وبالرغم من كُل الصِعاب التي مرت علينا خلال مراحل كثيرة، إلا أني لا أتذكر عيداً واحداً قد مر دون أن نُعد الكليجة، التي يرتبط العيد بالنسبة لها برائحتها وطعمها وطقوسها إعدادها، حتى أنه في المرات التي نتذوق فيها الكليجة في غير أوقات الأعياد، فتستقدم ذاكرتنا حوادث العيد”.

تضيف أومري في حديثها “تُعد الكليجة من خلط كميات محسوبة من الطحين الأبيض والأسمر والسكر والسمن البلدي والحليب، بالإضافة إلى توابل خاصة، أهمها القرفة واليانسون والخميرة وحبة البركة وجوز الهند. حيث تُخلط وتُعجن لأكثر من ساعة كاملة، يتبادل افراد العائلة في الإقدام على عجنها يدوياً، ثم يُترك لقرابة ساعتين كاملتين. على الأهم في طقس إعداد الكليجة هو الاجتماع الكلي لأفراد العائلة حول المائدة أثناء التقطيع المتأني للعجينة على أشكال فنية صغيرة، التي قد تطول لساعات كثيرة، تمتد عادة حتى بزوغ فجر ليلة العيد، يتبادل فيها أفراد العائلة الأحاديث والمرويات وذكريات الأعياد السابقة. ثُم تُحمل إلى الأفران، ليتم تحميصها”.

تتواقف أسعار حلوى الكليجة مع الظرف المادي الصعب الذي يعيش قرابة نصف مليون لاجئ سوري يعيشون في إقليم كُردستان العراق، ويتوزعون على أثني عشر مخيماً للاجئين في محافظات الإقليم الثلاث. فوسطياً تبلغ قيمة الكيلوغرام الواحد من حلوى الكليجة قرابة 5 آلاف دينار عراقي (حوالي 3 دولارات)، فيما تُباع الحلويات الجاهزة الأخرى التي تُباع في الأسواق بأسعار تتراوح بين 20-30 ألف دينار (حوالي 12-18 دولاراً)، وهو ما لا تستطيع أغلب الأسر السورية اللاجئة أن تؤمنه.

توضع الكليجة إلى جانب المشروبات الباردة والساخنة على حدٍ سواء، بالذات مع القهوة البلدية، خلال الزيارات الاجتماعية والتهاني التي يتبادلها المحتفلون في ليلة وأيام العيد الأربعة، وعادة ما تبقى لقرابة أسبوع كامل فيما بعد العيد.

كانت الكُليجة تُصنع في الكثير من بُلدان المنطقة، إلا أنها بالنسبة للسوريين تُعتبر تراثاً من المطبخ السوري، كما يشرح الباحث الاجتماعي السوري عمران الوجيه في حديث مع “سكاي نيوز عربية” “في المُدن الداخلية السورية، حلب ودمشق وحُمص وحماة، كانت الكليجة أساس قسم الحلويات في المطابخ المنزلية. ثم امتد ليكون صناعة منزلية موسمية خاصة بالاحتفالات في كُل المُدن والبلدات والأرياف السورية، حتى أنها تكاد أن تكون “الطبخة” السورية الوحيدة المُتفق عليها في جميع مناطق البلاد، وهي بمثابة شيفرة تواصلية بين مختلف السوريين في جميع مناطقهم، حتى أنهم نقلوها إلى المهاجر والمنافي التي توزعوا عليها طوال السنوات العشر الأخيرة، فهي بمعنى ما هوية ثقافية سورية”.

اعتباراً من فترة ما بعد الظهرية، يجلس الأطفال السوريون بالقرب من أبواب منازلهم في مخيم دوميز، يحملون صحوناً ملونة مليئة بالكليجة، وحينما يمر العابرون فأنهم يحملون قطعة منها، ويتحببون إلى هؤلاء الأطفال ويمنحونهم بعض الألعاب والعصائر المغلفة، فيما تصدر عنهم بعض الصيحات الاحتفالية الخاصة بتقديم الكليجة.

بعد أن تُجهز كل عائلات المخيم إعداد الكليجة، فأن النسوة يتبادلن الأحاديث حول الاختلافات التفصيلية فيما بينها، بين أنواع تُصنع بإضافة التمر وأخرى بالكراميل او الجوز أو الفستق الحلبي، مع الاحتفاظ بالعجينة الأساسية التي صنعها منها.

تعد كل عائلة سورية في مخيم دوميز للاجئين ما يقارب العشر كيلوغرامات من الكليجة في كل عيد، بينما تقول السيدة بنجوين ملا عيسى بأنها تُعد منذ سبعة سنوات أكثر من خمسة وثلاثين كيلوغراماً. تقول السيدة ملا عيسى في حديثها مع سكاي نيوز عربية: “نستخدم أقل من ربع ما نُنتجه في احتفال أيام العيد الأربعة، فيما أوزع الباقي على خمسة حُصص، أرسلها لأبنائي الخمسة المتوزعين في بين تركيا والمملكة العربية السعودي وألمانيا، حيث يضعونها في ثلاجاتهم المنزلية، ويأكلونها على مراحل متفاوتة طوال العام، يعرفون بأنها صُنعت بأيدي والدتهم وضمن طقس عائلي كانوا جزء منه قبل سنوات قليلة، ويتذكرون أجواء العائلة الكُبرى التي كانوا يعيشون ضمنها، لكن الحرب شتتهم مثلما فعلت مع ملايين السوريين الآخرين”.

المصدر:سكاي نيوز

((  تابعنا على الفيسبوك   –  تابعنا على تلغرام   –   تابعنا على انستغرام  –  تابعنا على تويتر ))