خاص هوى الشام | في تظاهرة أدبية أعادت الروح إلى المشهد الثقافي السوري، انطلقت فعاليات ملتقى الكتاب السوريين في المكتبة الوطنية بدمشق، بمشاركة نخبة من الأدباء والنقاد السوريين من مختلف المشارب والمدارس الفكرية.
الملتقى الذي أقيم بتنظيم من وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب العرب، أعاد التأكيد على دور الكلمة الحرة في ترميم الذاكرة الوطنية، وتعزيز قيم التعددية والحرية والعدالة.
وزير الثقافة: الثقافة أمن قومي لا ترف اجتماعي
أكد وزير الثقافة محمد الصالح أن الثقافة “ليست ترفاً يمكن الاستغناء عنه”، بل هي ركيزة من ركائز الأمن القومي، داعياً إلى جعلها درعًا في وجه الانقسام والتطرف. وقال: “الدول تُهزم حين تُهزم ثقافياً، وتولد من جديد حين ينهض مبدعوها من تحت الركام.”
رئيس الاتحاد: نكتب تاريخًا جديدًا للكلمة
رئيس اتحاد الكتّاب العرب، د. محمد طه العثمان، شدد في كلمته على أن الثقافة هي “الحاضنة الجامعة لكل السوريين”، مؤكدًا أن هذا الملتقى هو بداية طريق جديد نحو استعادة العلاقة بين المثقف الحقيقي ومؤسسات الدولة. وأضاف
“خيارنا أن نمنح الوطن كلمتنا لا صمتنا، وفتح نوافذ الإبداع على مصراعيها.
أمسيات شعرية: بين الحنين والوجدان السوري
شهد ملتقى الكتاب السوريين أمسيات شعرية متعددة، شارك فيها شعراء أمثال محمد زياد شودب وعبد الله العبد وحسن قنطار، الذين قدّموا قصائد تنوعت بين الوطني والسياسي والوجداني، مشبعة بالحنين والغربة وهموم الإنسان السوري.
الشاعر حسن قنطار، رئيس تحرير “الأسبوع الأدبي”، وصف الشعر بأنه “جسر للمحبة”، مؤكداً أن الأدب يقف في مواجهة الكراهية، ويعزز القيم الوطنية.
السرد القصصي: الذاكرة السورية من الطفولة حتى الثورة
في أمسيات قصصية مؤثرة، قدّم عدد من الأدباء منهم روعة سنبل وخالد شبيب ومحمد الحفري وأيمن الحسن قصصاً من وحي الطفولة والحرب والثورة. تنوعت القصص بين الحنين، الفقد، والعلاقات الاجتماعية، ووثقت مشاهد حميمة من الحياة السورية اليومية قبل وخلال الثورة.
شعر الشتات السوري: وثيقة الذاكرة المهاجرة
في ندوة بعنوان “شعر الشتات السوري بين الذات وحوار الثقافات”, ناقش الشاعر عمر منيب إدلبي تحولات الأدب السوري في المنفى، داعياً إلى إعادة قراءة إنتاج المهجر باعتباره أدب ذاكرة ووعي ومسؤولية. كما قدّم الدكتور راتب سكر مقاربة لتقاطعات الأدب السوري والفلسطيني في المنفى، مشدداً على دور الهجرة والسجن في تشكيل الوعي الثقافي المعاصر.
صوت المرأة: الكتابة النسوية واستعادة السرد
شاركت كل من قمر العتر وفدوى العبود في مائدة مستديرة حول الكتابة النسوية السورية، ناقشتا فيها السرد من منظور نسوي حقيقي يعكس هموم المرأة بعيداً عن النسخ الغربي.
وأكدت العبود على أهمية تمكين المرأة فكرياً ودعت إلى اعتماد الثقافة كوسيلة ناجعة لمواجهة خطاب الكراهية ورأب الصدع الهوياتي السوري.
الكاتب والسلطة: الثقافة تصنع السياسة
وفي محاضرة حملت عنوان “الكاتب والسلطة”, تحدّث د. أحمد محمد علي عن العلاقة المركّبة بين المثقف والسلطة، ودور الثقافة في إعادة إنتاج السرد السياسي خلال سنوات الثورة، متناولاً تأثير الفساد والعنف على الكتابة.
عودة الروح إلى البيت الثقافي السوري
في تصريحات جانبية، عبّر عدد من الكتّاب والمشاركين عن أملهم في بناء مشهد ثقافي جديد أكثر انفتاحاً وحرية. الكاتبة لبابة الهواري وصفت الملتقى بأنه “عودة الروح إلى الجسد”، في حين اعتبر محمد سعيد العتيق أن الملتقى “دفاع عن الوطن بالكلمة”. أما الشاعرة عائشة بريكات فوصفته بأنه “فعل مقاومة ناعم في وجه النسيان”.
ملتقى يعيد الكتّاب إلى الواجهة
بهذا الحضور النوعي والكمّ الثقافي الغني، شكل ملتقى الكتّاب السوريين نقطة تحوّل في المشهد الأدبي السوري، جامعًا بين الماضي والمستقبل، الذاكرة والهوية، مع وعود بأن تكون هذه الخطوة بداية لسلسلة فعاليات تعيد للكلمة دورها في بناء سوريا القادمة.
فعاليات ملتقى الكتاب السوريين على مدى أربعة أيام تضمنت ندوات أدبية وشعرية وتراثية، بالإضافة إلى أمسيات قصصية، وقراءات في تاريخ المدن والقرى السورية، والهوية الثقافية، والثقافة بين الماضي والحاضر، إلى جانب محاور تناولت أثر الكاتب السياسي في المهجر بين مفهومي الثورة والدولة.
شكل الملتقى بعد غياب عقدين نقطة تحول في استعادة الحياة الثقافية السورية ومنبرا للحوار والتواصل بين المثقفين في وطن يبحث عن إعادة ترميم ذاته عبر الكلمة والفكر والفن.


