خاص هوى الشام من علي عبد الوهاب الجاسم| مقارنة نبيل طعمة بالدكتور محمد سعيد محمد العتيق هي مقاربة مثيرة، حيث يمثل كل منهما تيارًا من الشعراء المفكرين المعاصرين.
١ / نبيل طعمة: شاعر الوعي النقدي وفلسفة التجريد .
يمثل طعمة تيار النزعة العقلانية والوعي النقدي. ينطلق من أن الشعر هو أداة فلسفية وفاعلة مهمتها تغيير مسار الوعي، وزرع الأسئلة، واستفزاز العقل. يتركز التزامه حول إنسانية الوعي والفكر العالمي.
الأمثلة الشعرية والتحليل:
في مفهوم الهوية والوجود: “الهوية ليست طين القبر أو النسبِ، بل هي فعلٌ يغير شكل الوعي فينا. والحق ليس عصا الحاكم، بل ضميرٌ يُنير كل الدروبِ.” هنا نجد رفضاً صريحاً للمفاهيم التقليدية للهوية والعدالة، واستبدالها بمفاهيم مجردة وفاعلة.
في وظيفة الكلمة: “إن لم تكن كلمتي فأساً يكسر الجهل، فلتُرمى في ركن الصمت والعدمِ.” يؤكد طعمة على الوظيفة الفاعلة للكلمة (الفأس)، ويرفضها إذا لم تؤدِّ دوراً إدراكياً جذرياً.
٢ / محمد سعيد العتيق: شاعر الجمال الوجودي والنزعة الروحية
يمثل العتيق تيار النزعة الروحية والصوفية والوجودية. يميل إلى التأمل في الكون، والبحث عن الجمال المطلق، ويعشق المزاوجة بين الحقيقة والجمال. الالتزام عنده يرتكز على الجمال، الروح، وقضايا الوطن. لغته تتسم بالموسيقى والإيحاء، حيث يغلب عليها الطابع الموزون والقوافي الأحادية، مع استخدام مفردات ذات ظلال روحية عميقة.
الأمثلة الشعرية والتحليل:
في التعبير الوجداني والجمال الكوني: “يا وجه دجلة هل في الموج سرُّ الغياب؟ وكم سقطت على شطيكِ أرواحُ، إذا العيونُ رأت حُسنَكِ غنتْ، فتجلّى في الصدى الفراغُ.” التركيز على العناصر الطبيعية (دجلة، الموج) بوصفها موئلاً للأسئلة الروحية والوجودية (سر الغياب). المفردات توحي بحالة من التصوف الرومانسي.
في الحنين والوصف الجمالي: “أنا يا حبيبتي وحدي، وليلُ دمشقَ يروي لي حكاياتِ، والعطرُ من شالِها، مازالَ يغمرُ لياليَّ وأوقاتي.” النص أقرب إلى الغنائية والبوح الوجداني الحسي، مع الاحتفاء بالجمال المحلي.
نتيجة المقارنة:
طعمة يمثل الشعر كفعل معرفي يفكك الوجود عبر الوعي النقدي، ويهدف إلى تكوين إنسان مبني على أساس التفكير النقدي. بينما يمثل العتيق الشعر ككشف وجودي وجمالي يكتشف الروح والكون عبر الإيحاء الصوفي، ويهدف إلى تكوين إنسان متسامٍ يجد قيمه في الروح الكلية والجمال المطلق. طعمة يوجه الإنسان نحو “فعل الوجود”، بينما العتيق يوجهه نحو “سكون الروح”.


