دمشق – هوى الشام من بثينة البلخي
للسنة التالية يلفت الممثل السعودي ناصر القصبي الأبصار إليه في قدرته وفريق عمل “سيلفي” على ملامسة الوجع بعمق، وسط فوضى الإبهار البصري المعتمد على الثراء الفاحش والجمال الفتان وقصص العشق الخرافية.

ومن البداية يقدم المسلسل الواقع العربي كما هو على فظاظته وقماءته أحيانا، ففي حلقته الثانية فاجأنا بجرعة صادمة من شكل الحقد الطائفي المتغلغل في مجتمعاتنا العربية، بدون مواربة أو تخفيف لوطأة البشاعة التي تتسم بها مشاعر الحقد لدى المتطرفين من كل طائفة، والذين لم يعد من جدوى لإخفائهم فهم باتوا يعلنون عن قباحتهم ويسوقون الكثيرين نحو الهاوية التي اختاروها.

ذكاء الطرح والجرأة سمتان طبعتا الحوار والسيناريو والأداء، لينطلق الكاتب من صدفة ذكية نحو حبكة تصاعدت بشكل دراماتيكي مشوب بالكوميديا التي لا تسيء للجوهر بل تحافظ على المضمون وتزيد من قيمته.

في صدفة ذكية، ترتكب ممرضة في إحدى المستشفيات بالسعودية خطأ تبدل بموجبه بين طفل سني وآخر شيعي ليتربى كل منهما في كنف العائلة الأخرى، وبعد أربع وعشرين سنة، تحدث المشفى بياناتها لتكتشف وجود خطأ ما، وللتأكد من الأمر تطلب من العائلتين إجراء فحص DNA والذي يكشف الخطأ، لتبدأ حياة جديدة لكل من الشابين يزيد وعبد الزهرة.

بناء على ذلك، يصبح يزيد ابن العائلة الشيعية، وهو الذي تربي على العادات الدينية السنية، بينما عبد الزهرة يصبح ابن العائلة السنية وهو الذي تربى على العادات الدينية الشيعية، وهو ما يحدث تصادماً كبيراً بين التربيتين، تكشف عنه مفارقات كثيرة خلال الحلقة، والتي كان لها أثر كبير في إغناء مضمون الحلقة من خلال الوقوف على أفكار متبناة لدى كل طرف عن الآخر، وقوالب جاهزة من الحقد يتم توريثها للأبناء، لمجرد اختلاف اللون المذهبي.

الأجمل في الحلقة كانت محاولات الولدين لتبديد أفكار أسرتيهما عن الآخر، وتعرية الغباء الإقصائي المتعمد لدى كثيرين يفكرون بنفس الطريقة، والوصول إلى الحقيقة الدامغة بأن “كل مولود يولد على الفطرة”، وذهاب الولدين إلى خيار الصداقة والمحبة بعيدا عن عائلتيهما الغارقتين في أتون الحقد الطائفي.

الحوارات جاءت ذكية في بعدها عن التنظير والكلام المنمق، بل اعتمدت البساطة والمباشرة، وحتى في اللحظات المفصلية انتهت إلى قول الحكمة بأسلوب سلس بعيد عن النمطية.. الله لا يريدنا أن نكره بعضنا، لتذهب المذاهب إلى الجحيم ويبقى الحب القاعدة الأمتن التي ينبغي أن تجمعنا يوما.