دمشق – هوى الشام
إذا اكتشفت أن الطابور الذي تقف عليه للوصول إلى نافذة بيع الخبز لا يتحرك، بفعل بعض المُتَسَلِّقين ومُختَرِقي الدّور وغيرهم من ذوي الأيادي الطويلة، لا تيئس بل تأمَّل في تعابير الوجوه حولك، وستجد أنَّك تَقِفُ وسط خزّانٍ من الملامِح، ستحفُرُ في ذاكرتك، لدرجة أنها ستُداهمك وأنت تُخَرْبِشُ على قِماش لوحاتك، وربَّما يُصبح لك بصمة تشكيلية في رسم البورتريهات لا تضاهيها بصمة أخرى.
وإذا انتبهت إلى أنك تُشْبِه «مكدوسةً» أثناء انحشارك مع أقرانك من المواطنين الظُّرفاء في سرفيس أو باص نقل داخلي أو أي وسيلة أخرى، فلا تحزن، فقط تسلَّلْ نحو أقرب نافذة، وراقب الطريق، ستتحوَّل النافذة مباشرةً إلى شاشة سينما، وستنسى آلام ساقيك من احتقان الدّماء فيهما، لأنك ستُدْهَش من «سينما الطّريق» وما تبثُّه إليك من صُوَرٍ تتحدى النسيان، لما فيها من تكثيف بصريّ يُحقِّقُ مُتعةً مُتجدِّدة توصلك إلى هدفك من دون عناء.
وإذا صادَفَ، وزُرت أحد الأسواق في وقت الذّروة، وهَالَك حجمُ الصَّخَبِ النّاجم عن صُراخِ الباعة والشّارين، إلى جانب أصوات المولّدات، أو الأصوات المُشابهة لها، على شكل أغنيات «نص كم» صادرة من إذاعات «الإف إم»، فلا تنزعج، بل أصغِ إلى الهارموني والانسجام «البوليفوني» بين النغمات، وتَتَبَّع التوافقات اللحنية بينها، فهناك من يعتقد أن «بيتهوفن» في حد ذاته، كان يستمتع في أواخر حياته، عندما تراجع مستوى السمع عنده، بالصخب والصراخ والأصوات الحادّة، وهي ما ساعدته في إبداع أهم سيمفونياته، لذا صديقي لا تنزعج، بل استمتع كما صاحب «لحن الإنسانية»، فأنت تُصغي إلى سيمفونية خالدة أخرى لم ينتبه إليها كثيرون.
إذا اكتشفت، وانتبهت، وصادفت، وعرفت، وأيقنت، واعتقدت… فكُنْ كما الفيلسوف الروماني «إميل سيوران» الذي يستطيع أن يستغني عن كل شيء إلا عن الطاقة التي يمنحها الإحساس بالظلم!

صحيفة تشرين