الطلاق والمال - أميرة الكردي

خاص هوى الشام من أميرة كردي |الطلاق والمال.. هذه حقيقتي فما هي حقيقتكم؟ .. ربما يكون الطلاق أبغض الحلال عند الله، لكنه حتمي إذا ما أصبح عائقا وعبئا على أحد الأطراف أو كليهما.

الزواج بطبيعة الحال شركة، سكن وسكينة  أو شراكة لا فرق، وإنما تفريق بإحسان أو فراق بلا رجعة في أسوأ حالاته وربما يكون حلا مناسبا في كثير من الأحيان.

المهم في موضوعنا الشائك هنا أن كل فريق من الفرقاء يغني على ليلاه..

هناك جزيئات لابد من ذكرها، دون الغوص بالتفاصيل حيث هناك يكمن الشيطان  !

فأسباب الطلاق كثيرة ولكن ما يتبعها من نتائج قد تكون مدمرة فقد نرى نساء يرفضن قصة الطلاق جملة وتفصيلًا ويتحملن الأذى النفسي والتعنيف اللفظي والجسدي من أجل أبنائهم أو لأن لا عمل لديهن، أو مهنة يكتسبن منها لقمة عيش، والأسباب كثيرة جدا لا مجال لحصرها الآن.

قصة ندى هنا لم تكن قصة عادية وقد تتقاطع في أماكن كثيرة مع كثير من القصص التي لم تروا لأسباب الشرف والعفة ربما.

لكن ندى روتها  بجرأة كما هي، حين التقيتها صدفة في محل لبيع البن في منطقة الشعلان في دمشق.

ندى جارتي التي كانت تسكن في ذات البناء بجوار بيتي.

سلمت عليها فتذكرتني رغم سنين البعد الطويلة نسبيا، تعانقنا وسألتها : ما أخبارك بعد الطلاق؟ ماذا تفعلين؟ أين وكيف تعيشين؟.

كأي صديقتين لم تلتقيا منذ فترة طويلة وجمعتهما صدفة ما.

قالت : بيتي قريب من هنا تعالي لنشرب ابريقا كاملًا من القهوة وأقص عليك ما فعلت بي الأيام أو ما فعلتُ أنا بها.

قلت : هيا أنا متشوقة لسماع اخبارك

“أنا مو مطلقة، أنا حرة”

هكذا أجابت ندى حين كررتُ عليها السؤال كيف أحوالك بعد الطلاق

قالتها بنبرة واثقة حادة.

ندى امرأة جميلة الوجه والجسم، حادة الملامح، واضحة الأنوثة.

سألتها : ما هو مفهومك عن الحرية وأي حرية تقصدين؟

أجابتني بيقين العارفين : حرة في العمل الذي أختاره، حرة في ملابسي وسكني وعلاقاتي، ثم ماهي غاية حياتنا سوى أن نكون أحراراً  من دون قيود.

 حسنا يا ندى ما هو عملك، وكيف استطعت فك أسرك من قيود الرجل والعادات والتقاليد  وأنتِ امرأة شرقية

أود معرفة المزيد منكِ، هيا ندى فلا تجعليني أنتظر طويلًا.

أجابتني اسمي الحركي لوليتا وأنا أحبه فأرجوكِ أن تناديني به، ثم أتبعت قائلة : كيف تحبين القهوة سادة أو بدون سكر وهي تضحك وتنظر لي من زاوية عيناها بغنج وبيدها إبريقا تحضر فيه القهوة، وتكلمت، وكأنما تحكي للقهوة حكايتها وليس لي.

قالت أرجوك لا تقاطعيني سأسرد قصتي كما عشتها واكتبيها كما تشائين: تزوجت في سن صغيرة من رجل غني فأهلي فقراء لا يملكون قوت يومهم وأبي يعمل مياومة وأحيانا لا يجد عملا.

لي ثلاثة إخوة أصغر مني سناً يبيعون العلكة في الشوارع بعد المدرسة ليستطيعوا الاستمرار في الدراسة.

هنا عدّلت ندى أو لوليتا كما تحب أن اناديها من جلستها بعد أن شربت فنجانها الأول وهي تنظر في أسفله بهدوء ميت، وسكبت آخر، و أشعلت سيجارتها الخامسة.

قائلة : أنجبت بعد عشرة أشهر من زواجي، ابنتين توءما وحين بلغتا الثامنة عشرة تزوجتا بذات اليوم من صديقين واستقرتا في بيت الزوجية ولم تكملا دراستهما.

إلى هنا وقصتي تشبه قصص ملايين النساء في عالمنا العربي، لكن أبي وأمي بما فيهم إخوتي تعرضوا لحادث سير مرعب أثناء ركوبهم حافلة لزيارة بيت عمي وماتوا جميعا.

حزنتُ كثيراً عليهم وقلت في نفسي بذات الوقت  لقد ارتاحوا من قرف هذه الحياة.

لكن ما حصل معي كان أكبر من حزني عليهم.

بعد انتهاء العزاء عدت إلى بيتي من دون أن أخبر زوجي بعودتي، كانت ابنتاي حينها في المدرسة الاعدادية وكانتا معي في العزاء.

سمعت حركة في المنزل فدخلت بتوجس ربما حرامي، لكن سمعت صوت زوجي يضحك فدخلت إلى غرفة النوم لأجده مع اثنتين من البنات على سريري.

المفاجأة الأكبر بأنه غضب مني وطلب مني الخروج ريثما يلبسون ويخرجون !!

كانت ردة فعلي غريبة، انتابني صمت الأموات، دموعي فقط من تحدثت بغزارة وكأن سيلًا واندفع فجأة.

غادرت الفتيات وهن يضحكن بوقاحة مستعمر يعتبر الأرض أرضه والسقف غطاءه، وخرج هو بكامل فحولته ليضربني ضربا عنيفا، وصرخ بصوت عال : لماذا عدتِ من دون أن تخبريني، لقد خربتي يومي ” الله ينزع نهارك”.

كان ثملًا يضحك و يغضب ويضرب

وقال : سأحضر فتيات دائما إلى المنزل وعلى سريرك وعليك أن تخدمينا أيضا، فأنتِ تزوجتني من أجل المال فقط ومن يملك المال صوته مسموع، هل سمعت أيها البغلة؟

لم أستطع فعل شيء من أجل ابنتيّ اولًا وثانيا أنا لا أملك عملا ولا أهل لدي ، فاضطررت أن ألتزم الصمت ريثما تنتهي نوبة غضبه.

استمر الجحيم، وفعلا صار كل يومين يحضر بنات إلى المنزل، وذلك حين تكونا ابنتاي في المدرسة وفي عز الظهر، دون أن يحسب حساب مشاعري أو حتى الجيران، طال الوقت و أصابني المرض واستمرت معاناتي حتى تزوجت ابنتاي.

هنا بدأت لوليتا ترتجف، حضنتها حتى تهدأ قليلا وحاولتُ تغيير مسار القصة لكنها سرعان ما مسحت دموعها وقالت :

لا تخافي من أجلي فقد تجاوزت الأمر “عمر الشقي بقي” واردفت : حينها طلبت منه الطلاق فرفض.

هربت من المنزل وكنت قبلها توقعت ألا يطلقني فبحثت على الإنترنت عن محام يقدم خدمة مجانية أو جمعية تدافع عن حقوق المرأة وفعلًا ذهبت وآووني في الجمعية حتى حصولي على الطلاق.

لن أخبرك بمعاناتي هنا، لكن الطلاق تم.

وكنت في هذا الوقت أبحث عن عمل لكني لم أكمل دراستي فعن أي عمل أتحدث ولا يوجد مهنة في يدي لأعمل بها أيضا، فقررت الجمعية مساعدتي بمبلغ مادي صغير وأوجدت لي عملا كخادمة في أحد البيوتات الراقية وهذا ما حصل، فبعد أن استلمت العمل بأسبوع جاء رب البيت إلى المنزل في غير موعده ولم تكن زوجته في البيت ولم يرزقهم الله بأطفال لأنه كان عقيما  فطلب مني فنجان قهوة قدمته له على الفور لكنه اقترب مني وعانقني.

وقال : انا أشتهيكي منذ أول يوم دخلتِ فيه إلى المنزل وكأنك قطعة حلوى، ابتعدت عنه وحاولت الصراخ لكنه أغلق فمي بكلتا يديه وقال : انت خادمة ولن يصدقك أحد ونال من جسدي ما نال، ثم وضع على الطاولة مبلغا من المال وقال هذا لك وسأعطيك أكثر بعد كل مرة.

في اليوم الثاني تكلمت مع الجمعية وسردت لهم القصة فلم يصدقوني، لأن سمعة الرجل جيدة على حد قولهم، كما وأنه يتصدق على الجمعية شهريا، فهم لا يريدون أن يخسروه من أجلي، وقالوا لم نعد مسؤولين عنك أوجدي لنفسك عملا آخر.

أخذت أغراضي بعد أن بحثت فوجدت غرفة صغيرة مع مجموعة من البنات استأجرتها، ورحت أبحث عن عمل آخر ، بحثت عدة أيام ولكن في كل مرة كان مدير العمل يقايضني بالعمل مقابل جسدي.

التفتت لوليتا إلى وجهي وقالت : أنا لست عاهرة، ولكن من طرقت أبوابهم وقايضوني بجسدي هم العاهرون، الذين استغلوا حاجتي هم العاهرون.

“لوليتا كانت تدافع عن نفسها خوفا من اتهامي لها مسبقا، رغم أني لم أفعل، ولم أسمع القصة إلا من جانب واحد فقط فكيف أحكم عليها ثم كيف لي أن أتهمها”.

قالت لوليتا فكرتها التالية لتبرء نفسها وتبرر عملها : ثم جلستُ وحيدة افكر، لماذا لا أستثمر جسدي، فهم يستثمرون أموالهم من أجل متعتهم أيضا أما أنا فأستثمره لأعيش، وهنا لحظة الفصل في حياتي بين ماكنتُ وما أصبحتُ عليه.

أنا لست عاهرة أنا مستثمرة مثلهم تماما وهذا سوق أيضا عرض وطلب، هم تجار سلع وأنا أتاجر بسلعة يحتاجونها، بحثت طويلا لكن الأمر كان سهلا أكثر مما ظننت تعرفت على إحدى النساء التي تعمل في مجال الدعارة والذي اسميه انا تجارة، قالت لي بإمكانك أن تكوني ضمن فريقي، على ان تأخذ النسبة الأكبر مما أحصل عليه من مال وهي تحميني، فلها علاقات واسعة ودائرة كبيرة من العملاء، لم يعجبني العرض فأنا أولى منها بنقود جسدي ثم أنني أملك من الجمال والدلع والأنوثة ” كما يقولون” ما يؤهلني لأعمل وحدي.

كان جلّ زبائني من الأغنياء وكانوا كرماء معي، فأنا أسليهم وأمتعهم وهم ينسون أنفسهم لساعات بين أحضاني، وهذه مهنتي  التي أجدتها.

أنا الآن في الاربعين من عمري، أملك بيتا خاصا وسيارة ورصيدا محترما في البنك ، سجلت في دورات للدفاع عن حقوق المرأة، حتى أتمكن من إلقاء محاضرات عن تعنيف المرأة.

مازلت أعمل في مهنتي لأصل إلى ما أصبو إليه وأصبح  سيدة مجتمع أدافع فيها عن حقوق المرأة في يوم ما وأرى هذا اليوم قريبا، “فمن يملك المال صوته مسموع” ، مازالت تلك الجملة التي قالها زوجي ترن في أذني, في مكان آخر، وفي السر أنا لوليتا أملك بيتا للدعارة.

اقرأ أيضا للكاتبة :

الرجل الصياد بين الماضي والحاضر

سبعة أبواب تدور حولها الكواكب وخمس وخمسون سوقًا قديمًا

((  تابعنا على الفيسبوك   –  تابعنا على تلغرام   –   تابعنا على انستغرام  –  تابعنا على تويتر ))

SHARE