بوظة عالصاج

هوى الشام|  بصوت المشاحف وعيون الأطفال والشباب الذين يراقبون طريقة حركتها يرتسم مشهد إعداد البوظة “عالصاج” النوع الجديد الذي ازداد انتشاره مؤخراً في بعض محال البوظة بدمشق متخذاً لنفسه مكاناً مميزاً إلى جانب البوظة العربية المعروفة بـ “البوظة الدق” كما يسميها السوريون.

ففي حي القيمرية الدمشقي يوجد اليوم لا يقل عن ستة محال تقدم هذا النوع الجديد من البوظة والتي أصبحت محط جذب لأنظار كل المارة بصوت أدواتها أثناء تقليب ودق المواد على الصاج وبالألوان الزاهية للمكونات التي يتم خلطها معها حتى أن هذه المحال بدأت بالانتشار بعدة مناطق أخرى في دمشق وعدد من المحافظات ولاقت إقبالاً لافتاً منذ افتتاحها.

طريقة تصنيع “البوظة على الصاج” تعود لأصول تايلندية وانتشرت في السنوات الأخيرة بشكل كبير في بعض الدول العربية حتى دخلت إلى سورية منذ ثلاث سنوات حسب تصريح ماهر الداؤود أحد العاملين بهذا المجال لكاميرا سانا مبيناً أن هذا النوع من البوظة يحتاج لأدوات بسيطة وهي صاج معدني يجري تبريده لدرجة حرارة 50 تحت الصفر بواسطة مواسير تبريد تلصق بأسفله ثم توضع المكونات على الصاج وتدق وتقطع بحركة رشيقة من أيدي العامل باستخدام مشاحف معدنية حيث تتم بداية فرد الخلطة السائلة “المكونة من حليب وقشطة وفانيلا حسب رغبة الزبون” مع عصير أحد أنواع الفواكه الطبيعية “فريز توت منغا أناناس.. إلخ” ويخلط المزيج جيداً لتتماسك ويصبح سطحها أملس ثم يتم تقطيعها وتشكيلها على شكل لفائف وتقدم في صحون من البسكويت أو “علب كرتون صغيرة” بعد تزيينها بالكريمة والمكسرات.

الداؤود وزملاؤه في العمل البالغ عددهم 12 شخصاً بدؤوا بالعمل بهذه الفكرة بعد رؤيتهم لعدد من الفيديوهات التي انتشرت من عدة بلدان عن طريقة صنعها وبحثهم عن كل الأمور المتعلقة بها لتعلم إنجازها حيث تحولت فكرتهم لمشروع صغير يشكل لهم الآن مصدر رزق أساسي، وإقبال الناس الكبير على محلهم شجعهم على السعي لخلق أفكار جديدة لإضافتها أثناء صنع البوظة أو طريقة إعدادها وفق تعبيرهم مشيرين بحديثهم إلى بعض الصعوبات التي تواجههم أحياناً بتأمين المواد الأولية اللازمة وخاصة المكسرات إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي الذي يؤثر على محال البوظة بكل أنواعها بشكل عام.

الالتفاف أمام محلات (البوظة عالصاج) والوقوف لمشاهدة طريقة صنعها مشهد لا بد من رؤيته أمام كل محل لكونها شيئاً جديداً على السوق السورية وفق وصف السيدة إلهام إبراهيم التي أضافت: “أطفالي سمعوا من أصدقائهم عن البوظة عالصاج وأصروا أن نذهب لنراها ونشتريها، مذاقها مثل شكلها جميل جداً” فيما تعرب الشابة أليسار محمد عن إعجابها بطريقة صنع هذا النوع من البوظة مبينة أنها وصديقاتها قصدن التوجه لشرائها بعد مشاهدة فيديوهات كثيرة عنها على الفيسبوك واليوتيوب.

ومع ذلك ورغم التجديد والتنوع الذي تشهده صناعة البوظة إلا أن مكانة البوظة العربية ما زالت تتصدر رغبات الكثير من السوريين الذين يصفون نكهتها أحياناً بـ “التراث” وخاصة أن بعض محال صنعها في دمشق أصبح مقصداً سياحياً لتناول البوظة العربية لقدمها الزمني واستمرارها إلى اليوم بالحفاظ على هذه المهنة.

“نعمل في صناعة البوظة العربية منذ أكثر من مئة عام حيث بدأ جدي العمل بها عام 1895 م بأساليب وطرق بدائية ونحن ورثنا هذا العمل عنه وعن والدي واستمرينا به مع تحسين وتطوير المنتج والأدوات دون المساس بالميزات التراثية التي أصبحت علامة فارقة بالمكان وجزءاً ومعلماً سياحياً لكثيرين” هذا ما ذكره أحمد بكداش صاحب محل بكداش في سوق الحميدية خلال تصريحه لفريق سانا.

وتمر صناعة البوظة العربية بمراحل متعددة تلعب الخبرة دوراً أساسياً في إنجاحها لتصل إلى الشكل والطعم النهائيين المعروفة بهما حيث بين بكداش أنه بعد جلب الحليب يوضع في خزانات للتبريد والتعقيم والتصفية ثم تأتي عملية الغلي المرفقة بإضافة السكر والسحلب والفانيلا بكميات ومقادير محددة لينتهي الأمر عند تبريد المادة الناتجة عن الخلط والغليان والمسماة بالبوظة السائلة وتترك لتتخمر وتصبح جاهزة لعملية السحب والدق من أجل تفريغها من الهواء الذي قد يتخللها على شكل فقاعات وضمان تجانسها ثم تضاف إليها القشطة والمكسرات كالفستق الحلبي وبعدها تقطع بأشكال محددة.

وصناعة البوظة العربية كغيرها من الصناعات واجهت العديد من الصعوبات في ظل الظروف الحالية حيث يقول بكداش “نواجه العديد من الصعوبات وخاصة فيما يتعلق بالكهرباء وصعوبة تأمين المحروقات التي تساعد في تشغيل المولدات لكننا مستمرون في هذا العمل الذي أصبح تراثاً عائلياً لأكثر من مئة عام وتراثاً لسورية المعروفة بعمق حضارتها فضلاً عن أنه يساهم في تشغيل أكثر من 40 عاملاً بين عمال دائمين وموسميين ما يعود بالفائدة عليهم وعلى عوائلهم.

وخلال شرائها للبوظة العربية اعتبرت فاطمة الأحمد أن البوظة العربية تحمل في رائحتها عبق التراث حسب وصفها فيما أكدت ازدهار ابنة مدينة حمص أنها تقصد دمشق القديمة لتناول البوظة العربية مع أصدقائها وأقاربها في كل زيارة لها بينما رأى أبو علي الباشا القادم من حلب برفقة عائلته أن البوظة العربية باتت جزءاً من تراث وتاريخ مدينة دمشق.

وتبقى البوظة بمختلف نكهاتها وأنواعها ضيفاً رئيسياً في صيف الصغار والكبار رغم معاناة أصحاب محالها هذا العام من كثرة انقطاع التيار الكهربائي لكنهم مستمرون بالتفنن في صناعتها وطريقة تقديمها.

بوظة عالصاج

بوظة عالصاج

بوظة عالصاج

بوظة عالصاج

بوظة عالصاج

المصدر: سانا

((  تابعنا على الفيسبوك   –  تابعنا على تلغرام   –   تابعنا على انستغرام  –  تابعنا على تويتر ))

SHARE