هوى الشام
ليس غريبا أن يعرف السوريون التقويم منذ قديم الزمان وأن يتقدموا بوضعه على التقويمين العبري والفرعوني القديم فعلى أرضهم ولدت الأبجدية ونشأت العديد من الحضارات.
السوريون قديما قسموا السنة إلى فصول مارسوا فيها طقوسا استقوها من أنشطتهم الزراعية وارتباطهم بالطبيعة وهي تبدأ في الأول من نيسان ويطلق عليها أكيتو عيد رأس السنة السورية.
وارتبط عيد رأس السنة السورية الذي يصادف غدا بداية السنة 6768 منه بأساطير الخصب المنبثقة من أحوال الطبيعة وتعاقب الفصول ويستمر الاحتفال برأس السنة 12 يوما وهي في جوهرها مشاركة من السوريين القدماء للأرض في أفراحها وعودة الخصب إليها مجددا في دورة الحياة.
ويرتبط التقويم السوري وفق الأسطورة بعشتار الآلهة الأم منجبة الحياة ونجمة الصباح والمساء التي تصفها النصوص القديمة بأنها في فمها يكمن سر الحياة ويشيع من ابتسامتها الأمن والطمأنينة في النفوس كما تلقب بأم الزلف وهي نفسها التي مازال الناس يغنون لها في الريف السوري.
التقويم السوري القديم أكيتو الذي استخدمه الاشوريون والسريان يعتبر أول تقويم وفقا لمدير عام الآثار والمتاحف الدكتور محمود حمود الذي يبين لسانا أن التقويم السوري يسبق التقويم الفرعوني التوتية بما يزيد على 500 عام ويرتبط الاحتفال به بنهاية موسم الأمطار وبدء الخصب ونمو الزرع والثمار كما أنه مظهر لعبادة ذات طابع زراعي عند شعب امتلك عمقا روحيا فريدا.
وتبدأ السنة السورية القديمة وفق الدكتور حمود في الأول من نيسان نيسانو حسب اللغة الآرامية ولاتزال أسماء أشهرها مستخدمة حتى عصرنا الراهن في بلاد الشام والعراق في حين لجأت بقية الدول العربية إلى استخدام التسميات الأوروبية مع بعض التعديلات.‏
وحسب الدكتور حمود يعود الاحتفال بعيد أكيتو إلى السلالة البابلية الأولى أي إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد وهو أقدم عيد مسجل في تاريخ الشرق الأدنى مبينا أن أكيتو هو عيد رأس السنة لدى الأكاديين والبابليين والآشوريين والكلدانيين.
وعن الاحتفال بعيد أكيتو يوضح الدكتور حمود أنه يبدأ في اليوم الأول من نيسان ويستمر مدة اثني عشر يوماً تخصص الأيام الأربعة الأولى منها لممارسة الطقوس الدينية أما الأيام المتبقية فكانت تتضمن بعض المظاهر الاجتماعية والسياسية اضافة الى مواكب احتفالية كبيرة تتضمن ألعابا رياضية ورقصات وتبلغ ذروة الاحتفالات بين الأول والحادي عشر من الشهر وفي منتصف هذه المدة كانت تقام الأفراح وتعقد طقوس احتفالات الزواج.‏
ويلفت الدكتور حمود إلى أن التقويم السوري القديم اكيتو ظل قائماً عند الحضارات السورية المتعاقبة ومنها أوغاريت وإيبلا وماري وتدمر ودمشق ولاتزال الاحتفالات به دليلا على قدوم الربيع وما يحمله من خصوبة لكل مظاهر الطبيعة وكل ما فيها حيث يحتفل سكان الساحل السوري به في الرابع من نيسان حسب التقويم الشرقي وفي مصر يسمى عيد شم النسيم.
ووثقت كتب التاريخ القديم أن الأول من نيسان مطلع السنة السورية منذ ألف عام على الأقل وفق الدكتور حمود الذي يلفت إلى أنه وارد في الجزء الثاني من الموسوعة التاريخية مروج الذهب للمسعودي ويضيف إن نيسان الشهر الرابع من السنة الميلادية حمل اسم ابريل من الاسم اللاتيني ابريلز أو ايبرير الذي يعني التفتح في إشارة لمظاهر الربيع التي تظهر في هذا الشهر أو من الكلمة الاتروسكية آيرو التي تعني آلهة الحب افروديت في حين سمي في بلاد الشام باسم نيسان الذي دخل على اللغة الآرامية القديمة من الأكادية وأصل الكلمة في السومرية نيسانك وتعني الباكورة وتتألف من كلمتين ني وتعني شيئا وسانك وتعني رأس الشيء أو أوله.
السوريون اليوم يواصلون إحياء عيد أكيتو وآباؤهم القدامى لم يتخذوا هذا العيد الأول من نيسان كأول أيام السنة السورية عن عبث بل لأنه البداية الحقيقية للحياة فبعد موسم البرد والمطر يأتي الربيع وتتفتح الأزهار وتكون أكثر نضارة ويخرج الناس إلى الحقول للتمتع بدفء الربيع.