هوى الشام
غالبا ما يميل المرء إلى أن يطلق على مصائبه مسمى «التجارب»، والثابت هو أن هذه التجارب تتحول إلى خيبات إذا اكتفينا بذرف العبرات، ونحن نتأملها وهي تشوى على جمر الندم، لكنها ـ أي التجارب ـ تتحول إلى فرص في حال استضأنا بنارها للقيام بقراءة موضوعية لأسبابها، ونتائجها بغية استخراج العبر.
ضمن هذه الرؤية يمكن قراءة الحرب على سورية عموما، و جريمة العدوان الثلاثي خصوصا، العدوان الثلاثي استهدف مراكز البحوث العلمية حيث طوّرت العقول السورية (الشهيد نبيل زغيب ورفاقه) منظومة الصواريخ التي واجهت نيران العدوان، تلك النيران أضاءت على حقيقة مفادها هو أن المستهدف الأساس من الحرب على السورية هو «العقل الذي يبني و الساعد الذي يحمي»، بدليل أن التكامل بين «مراكز العقول» و»مصانع الرجال» جعلا الآثار الإجرامية للعدوان أقل بكثير مما خُطّط لها أن تكون، لدرجة نستطيع معها الجزم بأن العدوان الثلاثي أُحبط «بالثلاثة»،
وبالقياس نستطيع أن نقول بأن الآثار العميقة للحرب على سورية يمكن تجاوزها بسرعة مذهلة من خلال عملية إعادة إعمار، تبدأ بإعادة الاعتبار للعقول السورية من خلال مساعدة العقول المقيمة على الاستمرار بالنبض، وإعادة توطين المهاجر منها، هذه العقول هي الضمانة الوحيدة لخلق تنمية متوازنة و متنورة و مستدامة على كافة الصُعد، تنمية كهذه لا تكون إلا بتبني ثقافة الوفرة ونبذ ثقافة الشحّ، ثقافة الوفرة تبدأ برفع مستوى التعليم و بإعادة الكرامة للقائمين عليه، وبتمكينهم من الإبداع في ظروف صحية على غرار تلك التي توافرت لعقول مراكز البحوث العلمية، عقول توأمت مخرجاتها مع سواعد الجيش الوطني فأحالت تجربة العدوان إلى فرصة، وهنا تكمن رسالة مفادها أن إعادة الأعمار بعقول وسواعد سوريّة سيكفينا مؤونة الاستتباع للأجنبي وشركاته و رأسماله، تحت طائلة تحويل تجربة الحرب السورية إلى خيبة.

الندم هو الخطأ الثاني الذي نرتكبه بعد اقتراف الخطيئة، و مع ذلك أجدني مضطرا لأن أقول أن العبء على مراكز التبرع بالدم كان يُمكن له أن يكون اقل فيما لو كان لدينا مراكز أبحاث ،و فقط لو كان اهتمامنا بالعقول التي في الرؤوس يعادل اهتمامنا بالكرة التي تتقاذفها الأقدام لكانت حروبنا جميعها تُخاض إما في الملاعب أو من على المنابر ..بالأمس و اليوم و حتى آخر الأيام.