هوى الشام
على الرغم من حداثة تجربة المصارف /البنوك/ الإسلامية إلا أنها تشهد تطوراً ونمواً متسارعاً حيث بلغ معدل النمو في حجم الأصول في المصارف الإسلامية للسنوات بين 2009-2014 حوالي 20% سنوياً و بلغ إجمالي الأصول بنهاية عام 2014 أكثر من 1.392 تريليون دولار أمريكي و يتوقع أن يصل إجمالي أصول المصارف الإسلامية لأكثر من 3.4 ترليون دولار أمريكي بنهاية عام 2018 و إلى أكثر من 4 ترليون دولار أمريكي مع حلول عام 2020 وفق الدراسات الموجودة لدى المصارف الإسلامية في سورية والتي تمكنت “العالم الاقتصادي” من الاطلاع عليها.

هذه التجربة وتطورها تدفع الفرد بشكل عام للتساؤل عن آلية عمل هذه البنوك وما الفرق بينها وبين المصارف التقليدية الموجودة منذ عشرات السنين فالكثير بات اليوم يردد اسم //بنك إسلامي// ولكن لا يعرف لما تم اقتران اسم البنك بكلمة “الإسلامي” ولا يدري لما يتم تمييزه عن المصارف الأخرى سواء التابعة للقطاع العام كالعقاري والتجاري والتوفير والتسليف وغيرهم أو الخاص كبنك سورية والمهجر وبيمو السعودي الفرنسي وبيبلوس….الخ.

 ولذلك سنوضح في المقال التالي تاريخ نشأة المصارف الإسلامية في سورية وعددها وآلية عملها وسنتناول في مقال لاحق “في الأعداد القادمة من المجلة” تفاصيل العقود والخدمات التي تقدمها المصارف الإسلامية بالإضافة لمقال آخر سنقدم فيه لقرائنا معلومات حول تاريخ نشأة المصارف بشكل عام في العالم وفي سورية.

14 بنكاً خاصاً في سورية 3 منها اسلامية
يوجد في سورية اليوم “حتى تاريخ اعداد هذا المقال” 14 بنكاً خاصاً منها ثلاثة بنوك إسلامية هي //بنك الشام – بنك سورية الدولي الإسلامي – بنك البركة// ووفق تعريف القائمين عليها فإنها هذه البنوك تعد مؤسسات مالية تلتزم بتطبيق أحكام الشريعة الاسلامية في جميع معاملاتها المصرفية والاستثمارية وذلك من خلال تطبيق مفهوم الوساطة الاستثمارية القائم على مبدأ “المشاركة في الربح والخسارة” والبعض يعتبرها مؤسسات تعمل على تجميع الاموال وتوظيفها وفق احكام الشريعة الاسلامية بما يخدم المجتمع وتحقيق عدالة التوزيع مع الالتزام بعدم التعامل بالفوائد “الربوية” أخذاً وعطاء وباجتناب أي عمل مخالف لأحكام الشريعة الاسلامية.

 بمعنى آخر فإن هذه البنوك وسيط استثماري بين “صاحب المال والمستثمر” بحيث يحصل كل منهما على حقه في نماء هذا المال حسب ارتفاع نسبة الربح أم انخفاضها وهو ما يختلف عن البنوك التقليدية التي تحدد “نسب فائدة ثابتة” وتعتبر الفائدة أساس التعامل وهو ما يُحرم في الشريعة الإسلامية كونه يُعد // ربا // وفق مفهوم الشريعة  حيث أوضح الدكتور يوسف شنار الخبير بالعمل المصرفي الاسلامي في تصريحه للعالم الاقتصادي أن الربا محرم في الديانات السماوية الثلاثة وليس في الإسلام فقط وفكرة البنوك الإسلامية تختلف عن التقليدية في طريقة توظيف واستثمار هذه الاموال بحيث يكون هناك مشاركة في الربح والخسارة بين الأطراف المتعاملة.

وبيّن شنار أن في البنك الإسلامي يوجد هيئة شرعية تدرس كل معاملات المصرف وتتأكد من عدم مخالفتها للشرع ويوجد قسم في البنك خاص بالزكاة وتحقق هذه البنوك الأرباح من خلال عمليات الاستثمار التي تقوم بها أما البنوك التقليدية تحقق الأرباح من خلال الإقراض بسعر فائدة أعلى من سعر الفائدة الذي تدفعه مقابل الودائع الموجودة لديها لذلك يعتبر قسم القروض أهم قسم في البنوك التقليدية بينما يعتبر قسم الاستثمار هو الأهم في البنوك الإسلامية.

وبشكل عام تقدم هذه البنوك مجموعة من الخدمات كغيرها من المصارف التقليدية ومنها قبول الايداعات من العملاء على شكل حسابات جارية أو حسابات استثمار لآجال محددة وتقديم تسهيلات مباشرة للعملاء // أي منح القروض// وتقديم التسهيلات غير المباشرة وخدمات التجارة الخارجية /الكفالات والاعتمادات المستندية/ وخدمات أخرى مثل دفع وتحصيل قيمة الشبكات المسحوبة على حسابات العملاء أي فعليا تقوم البنوك باقتراض الاموال من المودعين لتقوم بإقراضه الى المستثمرين بنسبة فائدة اعلى والفرق بين نسب الفائدة المدينة والدائنة يمثل هامش الربح للبنك.

نشأة المصارف الإسلامية في المنطقة وفي سورية
كانت تجربة إنشاء بنوك الادخار المحلية في مصر سنة 1963 أول مُحاولة حقيقية للبدء بالعمل المصرفي بنظام إسلامي حيث قامت هذه التجربة على أساس المضاربة الشرعية من خلال تجميع المدخرات الشخصية من الأهالي والقيام باستثمارها بنظام إسلامي ويقسم الربح حسب الاتفاق المبرم بين الطرفين.

اما ظهور البنوك الاسلامية كمؤسسات تمويل يعود الى عام 1974 حيث تأسس البنك الاسلامي للتنمية ليقوم بمشاركة حكومات الدول الاسلامية في عمليات التنمية تلاه انشاء بنك دبي الاسلامي عام 1975.

وفي سورية شكل صدور المرسوم /35/ عام 2005 الخاص بقانون احداث المصارف الاسلامية نقطة البدء في إنشاء هذا النوع من المصارف وبعد اصداره بعامين شهدت السوق السورية انطلاقة أول مصرفين اسلاميين وهما //بنك الشام وبنك سورية الدولي الإسلامي// على التوالي حيث يفصل بين اطلاقهما ما يقارب الشهر فقط ليتبعهما بنك البركة بعد عام ونيف.

أساسيات الاقتصاد الاسلامي

تحدد البنوك الإسلامية عدة قضايا تعتبرها أساسيات في عملها الاقتصادي يذكرها مدير إدارة الفروع في بنك سورية الإسلامي أمير رهوان خلال تصريحه لـ “العالم الاقتصادي” بأنها تتمثل بعدم التعامل بالنقد كسلعة وعدم التعامل بالربا // من مبدأ النقد لا يولد نقد كما في الشريعة// وعدم المتاجرة بالديون والمخاطر وعدم التعامل بالقمار وعدم بناء ربح طرف على حساب خسارة الطرف الآخر وعدم المتاجرة بسلع و بضائع محظورة أو ممنوعة وعدم استغلال حاجات الآخرين لبناء الثروات بالإضافة إلى الاعتماد على المتاجرة عوضاً عن الإقراض و الإقتراض والمتاجرة بسلع و بضائع و خدمات مباحة شرعاً والمشاركة في الربح و الخسارة وفي تحمل المخاطر والابتعاد عن الفوائد الربوية واعتماد الوضوح في كافة المعاملات والعقود والإبتعاد عن الغرر.

عوامل ساهمت بانتشار البنوك الإسلامية
يوجد مجموعة من العوامل والمزايا التي جعلت البنوك الإسلامية تنتشر بصورة سريعة في أنحاء العالم وفق أمير رهوان الذي رأى أن هذه البنوك امتازت بكفاءتها العالية التي مكنتها من إدارة الأزمات المالية وقد أثبتت الأزمة المالية العالمية أن البنوك الإسلامية أقل تأثراً بالصدمات بسبب التزامها بالضوابط الشرعية.

من جهة أخرى تتميز البنوك الإسلامية وفق تعبيره بقدرتها على تطوير الأدوات والآليات والمنتجات المصرفية الإسلامية مما أدى إلى انتشارها بسرعة وتشير التجربة إلى أن صيغ “التمويل الإسلامية” تتميز بمرونة كبيرة مما يجعل من الممكن تطويرها وابتكار صيغ أخرى مناسبة لكل حالة من حالات التمويل بالإضافة لكون هذه المصارف أكثر مقدرة ومرونة في إدارة المخاطر المصرفية لأن منهجية العمل المصرفي الإسلامي تبنى على أساس المشاركة (أي اقتسام المخاطر) وليس الإقراض والاقتراض.

مقارنة بين البنوك الاسلامية والتقليدية
يوضح الجدول التالي مقارنة مختصرة بين البنوك الإسلامية والتقليدية من حيث طبيعة العمل وآلية استقبال الإيداعات وعقود المتاجرة والمضاربة التي سنتناولها بالتفصيل في مقال لاحق وطبيعة العلاقة القائمة مع العملاء في كلا النوعين من المصارف.

مقارنة بين البنوك الاسلامية والتقليدية

الفرق في الميزانية العمومية بين المصارف الإسلامية والتقليدية
كما يوضح الجدول التالي الفروق في الميزانية العمومية لكلا النوعين من المصارف من حيث ما تتضمنه الميزانية من موجودات ومطاليب وحقوق للمساهمين ولأصحاب الاستثمارات.

 

هل نجحت تجربة المصارف الاسلامية السورية؟
رأى عبد القادر الدويك الرئيس التنفيذي لبنك سورية الدولي الإسلامي أن تجربة المصارف الإسلامية في سورية أثبتت نجاحها وقدرتها وإن استمرارها في العمل خلال سنوات الأزمة التي تتعرض لها سورية خير دليل على ذلك.

وأضاف خلال تصريحه لـ “العالم الاقتصادي” أن الأدوات والمرونة التي تمتلكها المصارف الإسلامية في سورية مكنتها من تحمل تداعيات الأزمة مؤكداً أن المرسوم 35 الصادر في سورية والذي سمح بتأسيس المصارف الإسلامية يعد من أفضل المراسيم المتعلقة في هذا المجال بالمنطقة العربية وهناك خبراء في الدول العربية طلبت نسخة منه للاطلاع عليه.

وقد يعتقد البعض أن المصارف الإسلامية تستهدف شريحة معينة من المجتمع وهم المسلمون إلا أن نجاح تجربة البنوك الإسلامية جعلها تستقطب الكثير من الإخوة المسيحيين وفق الدويك الذي أكد أن عددا كبيرا من عملاء البنك هم من المسيحيين لقناعتهم وثقتهم بالخدمات المقدمة عبر هذا النوع من البنوك.

وأوضح الدويك أن كافة خدمات بنك سورية الدولي الإسلامي تتوائم مع احكام الشريعة ومفاهيم العمل المصرفي الاسلامي وكل شيء في تعاملات وخدمات البنك له توضيح في المذاهب الاسلامية لافتاً إلى أن اعتمادهم في العمل على الخدمات المتطورة والحديثة والتزامهم بتقديم الخدمة بطريقة تفوق توقعات العميل واعتمادهم على كوادر مؤهلة ومدربة وتعمل بروح الفريق جذب الكثير من الناس للتعامل معهم وعزز الثقة بخدماتهم.

وبناء على تجربة بنك سورية الدولي الإسلامي اعتبر الدويك أن استمرار البنك بالتمويل منذ عام 2008 وحتى اليوم دليل هام على نجاح البنوك الإسلامية مضيفاً : “رغم كل تعرضت له سورية خلال السنوات الأخيرة فإن بنك سورية الدولي الإسلامي اليوم من اكبر محافظ التمويل بين البنوك ال 14 الموجودة في سوق دمشق للأوراق المالية” وسيستمر البنك بالتمويل لاسيما بتمويل المشاريع الانتاجية بالمرحلة الحالية لانها تسهم في تشغيل اليد العاملة ودعم الناتج المحلي والتخفيف من الاستيراد وزيادة التصدير وبالتالي توريد قطع أجنبي للبلاد.

وجهات نظر حول اقتران البنوك بكلمة “الإسلامي”
فيما لا يرى بعض العاملين في البنوك الإسلامية مشكلة باقتران اسم البنك بكلمة ” الإسلامي” اعتبر عدد من الخبراء العاملين في مجال الاقتصاد المصرفي الإسلامي والبنوك الإسلامية في حديثهم لـ “العالم الاقتصادي” أنه من الأفضل عدم اقتران اسم البنوك العاملة وفق أحكام الشريعة الإسلامية بكلمة “الإسلامي” مبررين ذلك بأن المبدأ الأساسي لعمل هذه البنوك هو عدم التعامل بـ //الربا// وأن مفهوم //الربا// محرم في الديانات السماوية الثلاثة فليس من الضروري اقتران اسم البنك بكلمة “الإسلامي” لأن عملائه من المسلمين والمسيحيين ومختلف المذاهب والطوائف فهو يستهدف كل الأشخاص بخدماته وآلية عمله التي تلبي احتياجات أي فرد.

وهناك عدد من البنوك العربية التي لم يقترن اسمها بكلمة “الإسلامي” رغم عملها وفق أحكام الشريعة الإسلامية .. بالمجمل فإن هذا الرأي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أو اصدار آلية موحدة للتسمية لأن ذلك قد يساهم بإيصال رسالة هذا النوع من البنوك بشكل أسرع وأسهل لشريحة أكبر من المواطنين خاصة من قد يتردد في الدخول لبنك اسلامي كونه لا يعلم أو يجهل حقيقة ارتباط الاسم بآلية العمل أو قد يعتقد أن خدمات هذه البنوك وفقاً لأسمائها لا تواكب التطور والتقدم الحاصل في العالم المصرفي.. وتبقى التجربة خير برهان.

هوامش:

– عام 2005 صدر المرسوم /35/ الخاص بقانون احداث المصارف الاسلامية في سورية
– تعريف البنك/المصرف: المصرف في اللغة من الصرف بمعنى مبادلة النقد بالنقد أو بيع النقد بعضه ببعض
البنوك: مؤسسات مالية تعمل كوسيط بين مجموعتين رئيسيتين من العملاء المجموعة الاولى لديها فائض من الأموال وتحتاج إلى الحفاظ عليه وتنميته /المدخرين أو المودعين/ والمجموعة الثانية هي مجموعة من العملاء تحتاج إلى أموال لأغراض الاستثمار /المستثمرين أو المقترضين/.
ندى عجيب – العالم الاقتصادي