الرسالة التي وجهت للشعب السويدي من الشعب السوري

ستوكهولم – هوى الشام من بثينة البلخي

حين يتملكك الحب، لا شيء يبدر عنك إلا الحب، فما بالك إن كان حب الوطن ما يتملكك… تلك حكاية شاب من بلدي تملكه حب سورية وحضارتها وأصالتها..

عبد الرحمن المنقل، شاب سوري عصفت به رياح الغربة ككثير من شبان هذا البلد، فحمل الوطن في قلبه ليزرعه في كل العالم، حيث أطلق مبادرة بمناسبة رأس السنة السورية القديمة (اكيتو)، تضمنت توجيه 70 رسالة للشعب السويدي من الشعب السوري كتبت بثلاث لغات (العربية، الانكليزية، السويدية)، بالإضافة للكتابة المسمارية ورسم لخريطة سورية.

يشرح عبد الرحمن في حديث خاص مع هوى الشام فكرة مبادرته فيبين أنها تحوي الرسائل عبارات باللغات الثلاث أهمها العبارة الشهيرة (لكل انسان متحضر، وطنان، وطنه الأم وسورية) التي تنسب لعالم آثار فرنسي، والتي قيلت بصيغ مختلفة عبر التاريخ، حيث قال الاسكندر المقدوني عندما دخل سورية (333 ق.م) وشرب من مياه نبع في محيط معسكره بأن ماء هذا النبع يذكره بحليب أمه من كان رضيعاً، وأن سورية هي وطنه الثاني!

كنت ارغب بأن يستيقظ السويديون في الصباح، ليعلموا حين يتفقدون بريدهم أن لدى السوريين عيد في هذا اليوم
كنت ارغب بأن يستيقظ السويديون في الصباح، ليعلموا حين يتفقدون بريدهم أن لدى السوريين عيد في هذا اليوم

ويضيف عبد الرحمن أنه اشتق من عبارة كتبت باللغة السويدية مقولة من المقولة الأساسية بعد قراءات ومشاهدات تخص الحياة العامة وتفاصيلها والقوانين وآلية تطبيقها في السويد وما قدمته وتقدمه للسوريين، ويؤكد “كان علي أن أقول بأن لكل سوري متحضر وطنان؛ وطنه سورية والسويد، وكل من يعرف السويد سيعرف بأن ما قلته لم يأت عن عبث”.

أما العبارة التي كتبت باللغة الانكليزية فتقول بحسب عبد الرحمن “من الحضارة السورية التي قدرت ب10 آلاف عام، لكم نرسل تحياتنا وشكرنا وتقديرنا على ما قدمتموه وفعلتموه لأجلنا”.

وحمّل عبد الرحمن رسائله السبعين باسم الشعب السوري هاشتاغ “أنا أحب السويد” هادفاً للتعبير عن حب هذه البلاد.

الرسائل وُزعت بتاريخ 31/ 3  مع أنها كانت تحمل تاريخ 1/ 4، والسبب حسبما يوضحه عبد الرحمن “كنت ارغب بأن يستيقظ السويديون في الصباح، ليعلموا حين يتفقدون بريدهم أن لدى السوريين عيد في هذا اليوم، وهو ما تشير إليه الرسائل أيضاً”.

تم العمل على الرسائل لمدة أسبوع بين تخطيط وتصميم وكتابة، حيث وزع القسم الأكبر منها على الدوائر الحكومية وغير الحكومية في مدينة كالمار، ووضع البعض في سلل الدراجات الهوائية والقسم المتبقي وزع في منطقتي السكنية على منازل العائلات السويدية، ويشير عبد الرحمن إلى أن عائلته ساعدته في الكثير من الخطوات وأهمها كان توزيع الرسائل.

يتابع عبد الرحمن: هناك تفاصيل وضعتها في الرسائل أردت منها تحقيق أهداف عديدة؛ فمثلاً باختياري للغة العربية كلغة إضافية في كتابة الرسائل أردت تحفيز السويديين للبحث عن معنى المقولة، إما عبر توجيه السؤال لشخص عربي أو عن طريق بحثهم عبر الانترنت، وبالتالي إجبارهم بطريقة غير مباشرة على الاهتمام بلغتنا.

أما كتابة سورية بالحروف المسمارية، فأردت أن يكون لغزاً يحاول الكثير من السويديين البحث عن مفهومه، وهو ما سيؤدي بدوره لتعريفهم بالحضارة السورية، فهو شيء جديد بالنسبة لهم لا أتوقع بأن الكثيرين منهم يعلمون بالكتابة المسمارية من قبل.

وفيما يخص رسمي للخريطة السورية في قلب الرسالة، فأردت أن يساهم ذلك في تخيل سورية بعد مشاهدة خريطتها وهو أمر سيطبع في ذاكرة السويديين غالباً.

الفكرة نبعت – والكلام لعبد الرحمن- من الحاجة للتعبير عن الشكر والامتنان للشعب السويدي، ولتجنب صفة التعميم على أن جميع الأجانب المتواجدين في السويد يشبهون بعضهم، بعد وقائع وتصرفات مسيئة بحق كل أجنبي وخاصة السوري، إضافة إلى أن السويديين لا يعلمون عن سورية شيئاً وغالباً ما تتوجه الأسئلة الغريبة عن بلدنا وطريقة حياتنا في سورية فجاءت الرسائل أيضاً للإضاءة على تاريخنا ومن نحن، “وهو ما دفعني لأن أجعل الرسائل لا تحمل اسمي الشخصي نهائياً وإنما باسم الشعب السوري كاملاً”.

هدف عبد الرحمن من الفكرة إحياء عيد رأس السنة السورية القديمة (الأكيتو) وبالتالي تراثنا الحضاري، ليس فقط في ذاكرة السوريين بل الشعوب الأخرى، لنذكر بأننا أصحاب حضارة وتاريخ مهد لجميع الحضارات التي ظهرت لاحقاً لنقول إننا نملك هوية وثقافة حضارية عمرها آلاف السنين، فنحن اليوم بحاجة ماسة للتمسك بالإرث الثقافي السوري والعمل على إحيائه في جميع الفرص والمناسبات.

وما يؤسِف عبد الرحمن أن “أغلب السوريين المتواجدين خارج البلاد اليوم لا يستطيعون الحديث عن بلدهم لمدة نصف ساعة فقط! فهم لا يعلمون إلا القليل جداً عن حضارة بلدهم وما يعنيه اسمها، والسبب في الجهل شبه التام في ذلك، إما عدم اهتمام الغالبية بذلك أو تقصير الجهات المعنية التي كان عليها تعزيز ثقافة المواطن السوري وزيادة معرفته بحضارته.

ويعتقد عبد الرحمن أنه في حال كان هناك تجاوب مع رسائله فإنه لن يكون بشكل سريع وذلك لخصوصية الشعب السويدي، ولكون الرسائل مجهولة المصدر.

ولدى سؤال عبد الرحمن إذا ما كان يتواصل مع الشباب في المغترب لأهداف مماثلة، بين أنه حالياً لا يوجد أي تواصل، ولكن في المراحل القادمة بالتأكيد سيكون فنحن بحاجة الجميع لنشر الثقافة السورية، وهذه الفكرة مجرد بداية للكثير من الأفكار التي ستكون أضخم واشمل وأهم في المستقبل القريب.

يختتم عبد الرحمن لقاءه مع هوى الشام بالقول، “هنالك الكثير من الكلمات لشباب بلدي في المغترب ولكن باختصار أقول لهم كونوا سوريين فلكم الحق بأن تفخروا بذلك، كونوا حضاريين ومنفتحين على الثقافات الأخرى، حاولوا نشر ثقافتنا السورية الحقيقية قدر المستطاع، فسورية ليست مختصرة فقط  ب” ارجيلة أو دبكة”، اقرؤوا وتعرفوا على بلدكم أكثر وأكثر، سورية بحاجة لكم لتكونوا سفراء ثقافتها التي يحاول الكثير تشويهها، وأعطوا دون انتظار المقابل.. أعطوا أكثر مما تتلقون فأنتم سوريون وسورية مركز الأرض”.