المتة

هوى الشام|   على نار تنزلق وراء خشب ميت، يزفر الإبريق قبل أن يغلي بلحظات، فيما تتحلق حوله العيون بانتظار الرشفة الأولى.

يتغلغل الماء الساخن بين أوراق المتة المتكسرة في “جوزتها” مشكلاً رغوة خضراء فاتحة تعوم على السطح وتختفي تدريجياً مع كل رشفة يتجرعها المرء.


ذاق السوريون مرارة حرب إرهابية طاحنة عصفت ببلادهم لكنها لم تبعدهم عن مرارة أخرى يستهوونها؛ حيث رافقهم مشروب المتة في جميع أوقاتهم داخل سوريا وخارجها تاركاً ذكريات لا تنسى في نفوسهم.

ومشروب المتة هو شاي عشبي، منشأه بعض مناطق أمريكا الجنوبية، عادةً ما يتم تجفيف أوراقه وأغصانه، ثم ينقع في ماء ساخن لإعداده، وهو المشروب الأكثر شيوعاً لدى سكان مدن الساحل والقلمون والسويداء.

في العاصمة دمشق أيضاً؛ لـ “المتة” عشاقها، حيث يتحدث علاء، بائع هدايا، لوكالة سبوتنيك عن متجره المتخصص ببيع “جوزات المتة”، فيقول: “من أعرق أحياء دمشق وهو حي القيمرية، أصمم جوزات المتة بعدة أشكال وألوان وأحجام، بدءاً من السيراميك إلى الخشب والزجاج، وتتوشح هذه الجوزات برسومات مختلفة لتشكل لمستخدميها صورة متكاملة من ذكريات جميلة”.

تصطف جوزات المتة على واجهة متجر علاء في استعلاء وبريق فيما تنعكس عليها أضواء الليل وتتداخل بهجتها مع ضحكات المارة بين الزواريب العتيقة، “المتة مشروب متداول في بلادنا، فالسوريين لا يستطيعون الاستغناء عن المتة، لكثير من الناس اتجهوا لتخزين المتة خلال الأزمات التي مرت كي لا ينقطعوا عن شربها، ولأنها مشروبي المفضل قررت أن أترك ذكرى لدى كل محبيه بتصميم عدّة متة مخصصة لهم”، بحسب تعبير علاء.

من جنوب أمريكا إلى دمشق
وفدت المتة إلى سوريا خلال فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، حينها شكلت أمريكا اللاتينية وجهة أساسية للمغتربين السوريين، وخاصة من مناطق القلمون ومحافظات السويداء وطرطوس واللاذقية.
ومع عودة الجيل والأول والثاني من مغتربي دول أمريكا اللاتينية، وفدت المتة في حقائبهم لتبدأ رحلة انتشارها في معظم أنحاء وطنهم الأم.

في أحد مقاهي العاصمة، يترك الشاب حسين ثلجة الماء طليقاً في الإبريق، يلتقط بقايا أوراق المتة الضالة ويعيدها إلى كأسه قبل أن يرتشف مشروبه بسعادة.

يتابع ثلجة: “تربطني بالمتة ذكريات لطيفة، فقد تلقيت هدية مميزة وهي عبارة عن جوزة متة مصنوعة من خشب شجرة المتة، يمكن استخدامها عدد محدود من المرات لكنها هدية رائعة لأنها تربطني بأشخاص وبمواقف”.

أما فرح ثلجة، فلا تتخيل الحياة في سوريا بلا متة، وتبين في حديثها لـ”سبوتنيك”، أن هذا المشروب رفيق السهرات والاجتماعات مع العائلة والأصدقاء ولا يمكن الاستغناء عنه إطلاقاً”.

اختبر السوريون كل شيء في بلادهم، الحلو والمر، بكل ما في هذه البلاد، بدءاً من أهلها وترابها، وليس انتهاءً بمأكولاتها ومشروباتها، لكن رغم كل ما عايشوه؛ لا تزال حلاوة الحب في قلوبهم تطغى على المرارة.

المصدر:مواقع

((  تابعنا على الفيسبوك   –  تابعنا على تلغرام   –   تابعنا على انستغرام  –  تابعنا على تويتر ))

SHARE